عندما التحق بهاء الدين حنفي بعطبرة الثانوية في ستينيات القرن الماضي وكان ضمن دفعة وراء دفعتنا كان كثير الحديث عن شقيقه الأكبر عبد العزيز الذي سبقه إلى مدرسة وادي سيدنا الثانوية ذائعة الصيت في ذلك الزمان وبعده أيضاً، كان يتحدث عن مكتبته التي جمعها إبان زياراته لمصر قبل الرحيل من حلفا القديمة، فخلال إجازته المدرسية كان عبد العزيز يستغل الباخرة إلى أسوان ومنها بالقطار إلى قاهرة المعز ويشغل نفسه بشراء أكبر عدد من الكتب والدوريات والمجلات المصرية حيث كانت القاهرة في تلك الأيام مركزاً للإشعاع الفكري والثقافي، ويعود بعد كل رحلة إلى حلفا وهو يحمل أثقالاً من المطبوعات يضيفها إلى مكتبته في البيت.. وكان أشقاؤه عبد الحميد وبهاء وكمال وعزيزه لا يفترون من العب من هذه المكتبة ويتسابقون في قراءة المجلات ويحجز كل منهم دوره قبل الآخر في تصفح مجلات سمير وميكي وروز اليوسف وصباح الخير والمصور وغيرها من مجلات ذلك الزمان... من فرط تأثره بشقيقه الأكبر أصر ان ينتقل من عطبرة الثانوية بعد سنتين قضاهما بها إلى وادي سيدنا الثانوية كي يعيش نفس تجربة شقيقه التي ما فتئ يحدثنا عنها مفتوناً بها.. وبعدأن التقينا بهاء في جامعة الخرطوم وعندما وصلت السنة الثالثة أو الرابعة جاءني فرحاً بشقيقه الصغير كمال الذي التحق حديثاً بكلية العلوم التي بقى بها عاماً ليلتحق بعدها بكلية الطب بالقصر العيني بالقاهرة.. وفي زياراتي الأولى لمصر عام 1974م قادماً من الإمارات أوصلني شقيقي عبد الله إلى المنزل الذي يسكن فيه كمال حنفي مع عدد من زملائه وأصروا على عدم ذهابي للفندق والبقاء معهم فترة إقامتي بالقاهرة.. وعجبت لطالب الطب كمال الذي يمتلئ سريره ويفيض بالصحف والمجلات المصرية عند مخدته وفي حواف سريره وتحت مخدعه وحول جوانبه الأربعة.. وكان سكننا في مدينة أبو ظبي مجاوراً لسكن المهندس عبد العزيز حنفي وما فتئ في رمضان يصر علينا ونحن مجموعة من العزابة ان نفطر على مائدته العامرة الممدودة يومياً، ووجدته في أحد الأيام غاضباً يحدثني عن شقيقه كمال بأن سنة ضاعت منه بسبب نشاطه السياسي و الصحفي في اتحاد الطلبة السودانيين بالقاهرة.. وقلت في نفسي هذه بضاعتكم ياعبد العزيز ردت إليكم فمكتبتكم بالبيت وقدوتكم لأشقائكم هي السبب في ضياع سنة اكاديمية من شقيقه كمال، وأحسست بأن المهندس عبد العزيز لم يكتف بتوفير الزاد الثقافي لأشقائه الذين يصغرونه بل يرعاهم رعاية شاملة كما يفعل الوالد مع أبنائه.. وعندما ذهبت معزياً لآل حنفي ومنهم صديق عمري السفير د. بهاء وزميلا الغربة عبد الحميد وعبد العزيز شعرت بأني أعزي الباشمهندس عبد العزيز الذي صنع من أشقائه نجوماً يملأون الساحة أدباً و علماً وثقافة.. صديق أسرة آل حنفي