الإنسان السوداني التاريخ، فما كتبه كان حدود وعيه الاجتماعي وسقف معرفته مطلقاً: السودان وأهله وتاريخه ومستقبله. ذلكم الأفق السوسيولوجي ليس هو الأفق مطلقاً للحقيقة الأدبية والإبداعية. ففي حالة الطيب صالح لم يتخذ منجزه خطأ أفقياً، شكلانياً محضاً، لأن الدال «الشكل» يحيل إلى المدلول «المضمون» وهنالك علاقة جدلية فيما بين الأثنين في سياق تحولاته النصية. لذا ظل متوهجاً بذاته الكاتبة التي حققت اتساقاً فيما بين الذات المبدعة والعالم. فقد اشتغل على ذاكرة المجتمع وجمع بينها ومخيلته: حوار بذات اللهجة العربية في شمال السودان هي المدخل لعوالم بندر شاه ومريود. تحولات الصيغة السردية في هذين النصين يميزه التحول إلى «الرواية الشعرية» في مريود التي استدعت أزمنة وسياقات ولغة تفكير صوفي ولكنها في قالب سردي: تكثيف للحدث ترتب عليه تكثيف في اللغة واللفظ والدلالة: وجمال هذا النص يكمن في اشتغال شفرات الشعري التي تقودنا بسلام إلى عرائن دولة وتاريخ ومجتمع. -28- إدوارد سعيد، مرة أخرى، إنتزع مواقف تاريخية وسوسيولوجية مدهشة من أشعار الأيرلندي وليام بتلر ييتس التي عرفت بأنها مغرقة في ذاتيتها «ميتافيزيقا وأنطولوجيا» وذلك بأدوات نقد كاشفة لذات المكان وتاريخه معاً. وأضاف أن صوته المغني/ الشاعر أرتفع أكثر من الناشطين السياسيين، حملة الأبواق الأيدلوجية في سياق حركة التحرير الايرلندية مطالع القرن العشرين. -29- بينما تقف معظم روايات الطيب صالح كمعادل موضوعي لحركة المجتمع والتاريخ وحتى قصصه بما فيها المقدمات، فإن نص بندر شاه يتصدرها كنص علامة يحيلنا إلى السرد الشعري في مريود التي فتحت في كل مقطع منها على التاريخ الذي عجز سادتنا عن فهمه وتحقيق الارتباط والوعي به، كل ذلك في صيغة سردية تحركت بذاكرة الطيب صالح التي وعت القول الشعري العالمي في أرفع منجزه والتقط منه علامة: «كيف يمكن ان تجئ خواتيم مشروعه السردي؟ -30- حدث الطيب وقال ما أراد ان يقوله في إيجاز دون ان يترهل قوله الجمالي وسرب وطنه السودان بكامل البهاء إلى نصوصه، شخوص تاريخ ومعرفة وتواصل مع الآخر، وحلم تحول إلى كتابة «السرد فيها كالأحلام. بدأت بالإشارة إلى سيد المقام السردي أي «الواقف» الذي هو «المنقطع عن الطلب لفنائه في المطلوب» والطيب كشف له حيث البوح والاسرار. سلام لك سيدي في مقام الساردين الابرار.