استعر الجدل مجدداً بين دعاة مركزية الشرطة ولا مركزيتها بعد أن أودع وزير الداخلية مشروع قانون الشرطة الجديد منضدة المجلس الوطني على المستوى الاتحادي، وبعد أن أصبح التشريعيون في المجلس التشريعي لولاية الخرطوم قاب قوسين أو أدنى من إجازة قانون ولائى للشرطة. ويدور الجدال حالياً على ثلاثة مستويات الأول تقوده بالأساس قيادات فاعلة في الحركة الشعبية ويستندون في مطلبهم القاضي بلا مركزية الشرطة على اتفاقية نيفاشا وما ورد في المادة «841» من الدستور والتي تقول تتكون الشرطة لا مركزياً وفقاً لاتفاقية السلام الشامل وذلك حسب المستويات التالية: 1/ المستوى القومي ويحدد القانون اختصاصاته ومهامه وفقاً لهذا الدستور. 2/ مستوى جنوب السودان، ويحدد الدستور الانتقالي لجنوب السودان والقانون اختصاصاته. 3/ المستوى الولائى وتحدد مهامه الدساتير الولائىة والقانون. ويتضح من مصفوفة جداول تنفيذ قرارات وتوجيهات الرئاسة أن مركزية ولا مركزية الشرطة كانت تحتل مكاناً بارزاً في خضم أزمة الشريكين، فقد نصت المصفوفة علي تشكيل لجنة من الجهات المختصة من حكومة الوحدة الوطنية وحكومة جنوب السودان للقيام بعدة مهام لتنفيذ نص المادة «841» علي أن تشكل اللجنة فوراً وتفرغ من مهمتها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تشكيلها على أن تقدم تقارير أداء شهرية للرئاسة عن التقدم في سير أدائها. المستوى الثاني في الجدال تتصدره قيادات الشرطة العليا، وغلب على معارضتها «لتفتيت الشرطة» الحديث عن احتمالات انفراط الأمن، وتوجيه رسائل متعددة بهذا المعنى للرأي العام الذي لم يكن له يد في إعداد مواد الدستور أو المشاركة قبل ذلك في اتفاقات نيفاشا، وبالاضافة لهذا فإن لهذا الرأي العام بعض التحفظات على أداء الاقسام المستحدثة في الشرطة. وهي تحفظات يصعب تبديدها الى أن تتمكن هذه الأقسام من خلال تقييم مسيرتها الي إرساء تقاليد تشبه تلك التي أرستها أقسام المباحث والتحري.. إلخ. والسبيل الوحيد ليكون لرسائل هذه القيادات مردود إيجابي هو توجيهها لصناع القرار. المستوى الثالث في الجدال يشترك فيه قطاع واسع من المهنيين المعاشيين «الشرطة»، المحامين، القضاة خارج الخدمة وعدد من السياسيين. وهؤلاء جميعاً مع مركزية الشرطة على كل الإقليم الواقع شمال حدود 1/1/65 مع بعض التنويعات وآخذين في الاعتبار تحفظات الرأي العام المذكورة آنفاً. وفي ذاكرة هؤلاء السلبيات التي صاحبت إنشاء الولايات دون توفير موارد حقيقية لها ومنها -أي من السلبيات- إخفاق الولايات في توفير الالتزامات التي يتطلبها تسيير دفة العمل واختلال الأولويات ويتخوف هؤلاء من ان ينسحب التلكؤ في دفع المرتبات على الشرطة الولائية فكانت النتيجة الاضرابات المتتالية بسبب المرتبات . وفي الذاكرة أيضاً أن الشرطة في السودان ما زالت متمسكة بالتقاليد الموروثة من السلف في الانضباط وتجنب الفساد والمحاسبة الصارمة للمستغلين لوظائفهم لأغراض شخصية. وفي الموروث أيضاً كفاءة الشرطة في أداء مهامها العدلية «وكشف الجرائم، التحري، إجراءات تقديم القضايا للنيابة.. إلخ». إن الجدل حول الشرطة سببه الرئىسي قبول المفاوضين بمقترحات أو نصائح الخبراء القادمين من خلفيات أكاديمية أو تراث في التعامل الشرطي مغاير تماماً لما درج السودان والعالم الثالث عليه. وكان من الأفضل قبول لا مركزية الشرطة للجنوب فقط بل والذهاب أبعد من ذلك بتحقيق ما هو أقرب بل والذهاب أبعد من ذلك بتحقيق ما هو أقرب للحكم الذاتي للشرطة هناك بمعنى السماح لأفراد الشرطة من الدينكا مثلاً بالعمل في مناطق أهلهم فعامل اللغة واحترام العادات والتقاليد وأخذها في الاعتبار عوامل مهمة في هذه المرحلة الانتقالية «السلام المفضي للتطور الاجتماعي». المخرج من هذا المطب النيفاشي هو الوصول الى قرارات متوازنة تحافظ على تماسك الشرطة وانضباطيتها وتطوير قدراتها والالتزام في ذات الوقت بما نص عليه الدستور. المعادلة تبدو صعبة ولكنها ليست مستحيلة فالولاياتالمتحدة التي تأخذ بنظام لا مركزية الشرطة «شرطة الولايات» تحسبت لسلبيات اللا مركزية المطلقة فأنشأت أقوى وأكفأ جهاز شرطي مركزي في العالم هو ال: «اف.بي.آي» أو المباحث المركزية