حتى للذين يبدون أنهم يقاومون فكرة الخروج على النظام بدعوى الحياد، فهم مشحونون برغبات أخرى تقترب حيناً من الفعل «التظاهر»، وحيناً من الاسم «المظاهرة»، وفي كل الأحوال إنها حالة صحية كالتجشؤ وإطلاق الريح لكن شريطة ألا تكون في الأماكن العامة أو المغلقة.! والطريق المغلق الذي واجه ثورة (الفيس بوك) كما أريد لها أن يكون ذاك اسمها وبدون أية مفاهيم ثقافية أو سودانية تلزمهم بتسمية أخرى، هذا الطريق كان ممهداً لأن يكون كذلك، وأي شخص عادي أعطى أمراً للكومبيوتر مساء أول أمس بالدخول إلى الانترنت وجاءه الرد بعدم المقدرة على الولوج كان لزاما عليه أن يعرف أن الطريق مغلق للتحذيرات! وأن الحكومة المعنية بتلك الثورة ليست غارقة في العسل أو الخدر ولن تدري بأي جنب ستريح ليلتها تلك، والدليل الفاضح البيان الواضح الذي نزل على صفحات الصحف المطبوعة اليومية ذات يوم المظاهرة الموافق، الثلاثين من يناير - آخر الشهر - من الناطق الرسمي للشرطة محذراً كل من تسول له نفسه الخروج! والبقية تعرفونها طبعاً! إن الطبع الغالب علينا كشعب هو التقليد الأعمى والمنقول بحذافيره من تجربة أخرى، لهذا فإن ثورة (الفيس بوك) المعتمدة من (ولاد البلد) التنظيم المصري الذي بادر بالنزول إلى الشارع منذ الخامس والعشرين من هذا الشهر وحتى الآن في سابقة متطبعة بالطبع التونسي على اختلاف الإحداثيات إنما قصة غير متلائمة الفصول ولا الأبطال، ليس لأن النظام الحاكم هنا فاضل لا يستحق الجحود، إنما لأن القضايا مختلفة، ففي الوقت الذي شرع ثوار (الفيس بوك) في إطلاق المنتديات الثورية والحديث الساخن، كانت الحكومة تطلق صافرة النزول لمجموع خمسة آلاف شاب للخدمة المدنية ليس كلاعبي احتياطي بديل نظائرهم المغادرين جنوباً إنما كفعل إصلاحي مستدرك للخدمة العامة التي كانت ذات زمان مملوكة للحزب الحاكم الوطني. وفي ذات الزمان الذي صرخ فيه مثقفو (الفيس بوك) يكتبون الأشعار الهتافية لإثارة الغرائز الشبابية بدعوات الوطن وانفصال الجنوب - الموضة القديمة الآن - وعدم السماح بتقسيمه، كان شباب الجنوب يحتفلون في صحة ذاك الانفصال! - وهيت لنا - وحينما أرسلت مواعيد النزول إلى شارع القصر كان ذاك القصر تجلجل فيه ضحكات المسرحية الهزلية لشباب فقد المنطق السليم وأصبح يدور في لفات فارغة من الرسائل والتعليقات ومنتديات الفيس بوك. الفيس بوك المجاني، صفحة التعارف الاجتماعي، المملوءة بكل ما يخطر على بال تدر على صاحبها طائل الثروات من شباب يحسنون الظن بالمجاني ويجدون وقتاً لقضائه على الشات يثرثرون ما شاء لهم الله حول الحكومة ولعنات البلد! ويضيفون إلى حسابه كل يوم صديقاً جديداً وكماً محتملاً من القروش التي ترفع نسبة رصيده أعلى من عقول الشباب. إن الشباب في كل زمان ومكان هم قادة المستقبل ووقود محركات الدول في كافة المجالات والتغييب الكبير لهم في السياسة بما يعرف بالدماء الجديدة ناهيك عن الاقتصاد والإعلام... الخ، جعل إمكانية تحقيقهم لذواتهم مرهونا بالدق على لوحة مفاتيح تمنحهم إلى حد ما خاصية السيطرة المحببة للناس أجمعين بأنهم يملكون شيئا ما ولو كلمة مرور لصفحة.وصفحات كتاب الحكومة - أي حكومة - ليست بالنقاء والبراءة كي يقف معها أحد بعيدا عن كراسي حكمه إلا منافق مسترزق لكن، إمكانية إغلاق صفحة منه عبر - هكر - (الفيس بوك) أصعب بمكان من إغلاق حساب شخص على ذات (الفيس بوك.) إن كتاب الوجوه الآن في كافة الدول العربية مفتوح على فضاء لا تغلقه شبكة اتصالات ولا وزارة إعلام مهما تطاولت يدها في الوصول إليه .أما العواصم العربية جمعاء فإنها تخلع نعليها وأزياءها وترتدي شيئا أخف لتدخل وادي الإثارة والحضور، لتكون ( هيفاء وهبي) وليس بالضرورة أن تغني أو تكون، لكن المهم أن تقول ( أنا مثيرة ) لأي شيء!