الحمد لله الذي جعلني من زوار الكعبة الشريفة في خواتيم شهر شعبان، حيث يتوافد الملايين من المعتمرين لأداء العمرة في هذا الشهر الفضيل. وبالرغم من إجراء عمليات توسعة الطواف من اتجاه مقام سيدنا إبراهيم ومن حوله، وأُعدّ الطواف أن يكون طائراً حتى لا يعيق الطواف الأرضي وهو في شكل هندسي فريد والناظر للرافعات يحسب أنها تحول دون انسياب الطواف.. إلا أنها أبعد ما تكون من ذلك.. وأكثر ما هزَّ نفسي أن أكثر العمار هم من غير العرب، حيث لا تتجاوز نسبتهم بالكاد 20% من عمار كل الشعائر.. ثم شددت الرحال إلى قبر الرسول «ص» عليه وسلم بصحبه الباشمهندس خالد النور الصافي وعقيلته وأبنائه عدي وعمر وإخلاص، والحمد لله على شفاء عمر من عملية القلب المفتوح.. وكانت الرحلة طويلة وتجاوزت «400» كيلومتر بقليل، فالطريق شيد على أحدث أنواع المعابر والمرتفعات، ونظمت حراسات على طول الطريق تسهر على خدمة زوار قبر الرسول «صلى الله عليه وسلم» وزرت قبر الرسول «صلى الله عليه وسلم» عند صلاة الفجر، وكان الازدحام شديداً وجلست في حلقة عقب زيارة الروضة وقبره الشريف ثم بقية المزارات.. فسمعت قصة عجيبة عن أنس بن مالك الذي لازم خدمة الرسول «صلى الله عليه وسلم» لأكثر من عشر سنوات، والقصة تقول إن مالك تزوج امرأة.. وعندما كشف عنها غطاءها وجدها شديدة السواد «أي سوداء البشرة» فأوجس منها.. فقالت له عسى أن يجعل الله في هذا السواد خيراً.. فدخل عليها في تلك الليلة.. إلا أنه غادر باكراً وخرج من المدينة.. فعاد للمدينة بعد سنوات طويلة.. فدخل المسجد عند صلاة الجمعة.. فوجد الإمام على المنبر فكان قوي الكلمة مليء العبارة شديد مخافة الله وقد أسخن القلوب التي كانت تستمتع إليه حتى أدمعت .. وبعد أن انقضت الصلاة سأل الناس عن هذا الإمام.. فدلوه على منزله.. وبالرغم من طول الغياب عرف الدار.. فطرقها.. فقالت من الطارق.. فقال لها «عسى أن يكون في السواد خيراً» فقالت يا أنس إن أباك بالباب. ومما يحكى عن أنس بن مالك أنه لم ينتعل قط نعلاً في مدينة الرسول «صلى الله عليه وسلم» وعندما سأل عن ذلك قال أخاف أن يطأ نعلي قدماً للرسول «صلى الله عليه وسلم» قد مر بهذا المكان. ثم قمت بمزار جبل أحد، كما زرت مدفن الشهداء وهم سبعون، ولهؤلاء الشهداء قصة.. وهي أنهم دفنوا بجوار جبل أحد، وبمرور السنوات جاءت السيول فجرفت جزءاً كبيراً من مدافن الشهداء، فأمر الرسول «صلى الله عليه وسلم» أن يرحل الشهداء بعيداً عن مجرى السيل، وما أن بدأوا في ترحيلهم حتى تحرك جبل أحد من خلفهم فأمر الرسول «صلى الله عليه وسلم» أن يدفنوا بجوار أحد.. فحدثني أحد مهندسي الجلوجيا بأن أثر تحرك أحد كان واضحاً في الأرض وفي حجارة جبل أحد. عاش الملك: وبدأت أفواج العمال تغادر أرض المملكة العربية السعودية، وذلك لأن جلهم لا يملكون إقامات شرعية تخول لهم الإقامة في المملكة، وهنالك أعداد كبيرة لا يملكون أوراقاً تثبت هويتهم.. وهنالك من هرب من كفيله ويلاحقه كفيله بالقانون، وهنالك من يدفع للكفيل حق الإقامة، ولضمان ذلك تحجز أوراقه وهويته بطرف الكفيل.. وهناك الآلاف من العمال لا يملكون إقامات ومنهم من فقد عمله وهويته.. وكل ذلك كان أملاً كبيراً عندما أصدر الملك قراره بتحسين الأوضاع، وألغى كل القرارات السابقة التي تكبل العامل من قبل الكفيل، وفتح المجال واسعاً للعامل الأجنبي من أجل أن يصحح أوضاعه، ولما كانت الفترة الأولى قد انقضت وهنالك أعداد كبيرة لم يحسنوا أوضاعهم منحهم الملك فترة إضافية قدرت بأربعة أشهر.. وعندها هتفت العمال الأجانب «عاش الملك». المآلات: عندما بدأنا الدورات الأساسية في علم المخابرات كان يحدثنا المرحوم المغفور له بإذن الله السفير علي عبد الرحمن نميري الذي كان رئيساً لجهاز الأمن القومي وهو جهاز متخصص في جميع المعلومات في الداخل والخارج، حيث تعاقب على إدارته كل من الراحل مأمون عوض أبو زيد والراحل الرشيد نور الدين نسأل الله لهم المغفرة والرحمة.. كان حديثه لنا «على ضابط المخابرات ومن واقع معلوماته وعناصرها وتقييمها وتحليلها، أن يجزم بأن الأمطار سوف تكون في يوم كذا في مدينة كذا وبغزارة تقدر بكذا.. واليوم يفاجئنا الإرصاد بذات المعلومات والمكان وبكمية المياه النازلة من السماء.. كما عجبت للأجهزة المركزية بأن هنالك معلومات توردها الصحف اليومية وهي معلومات خطيرة من صميم أعمال الأجهزة المركزية.. لا نحسب أن ثمة إجراءات أو تدابير أتخذت تحوطاً.. فنفاجأ بأن نفس الأعمال تكرر وفي نفس المنطقة.. وقبل أيام قلائل حدثت فوضى في دار السلام «الحاج يوسف» بأن مجموعة تقدر بثلاثين من الخارجين عن القانون روعوا سكان المنطقة وأوسعوا عاثر الحظ ضرباً بالهراوات والسواطير.. فما كان من الجميع إلا الهروب.. وهنا ثمة وقفة.. هل هو الحادث الأول في المنطقة؟ والإجابة لا، فقد تكرر مرات ومرات، وأجزم بأن هذا العمل منظم وله قيادة وله أهداف، فلا يمكن أن يخرج ثلاثين من الشباب وفيهم من هم من قبائل السودان الشمالي المختلفة بسحناتهم وألوانهم المختلفة في لحظة واحدة وفي مكان واحد.. ألا يكون ذلك أمراً قدم تم الإعداد له ورسمت خطته بدقة، وتم اختيار أضعف الثغرات الأمنية، وذلك لتنفيذ أهدافهم؟! وكانت فكرة بسط الأمن الشامل فكرة عملاقة ولكنها وئدت في مهدها.. لأنها لم تعط القدر الكافي من التخطيط والتدريب ومراقبة الأفراد وتحديد أولويات العمل في المنطقة، مع وضع خريطة كاملة للعمل السياسي والجنائي في المنطقة بما في ذلك معتادو الإجرام.. وإذا تم تحديق نقاط بسط الأمن الشامل بالطرق العلمية.. سوف تكون فائدتها عظيمة، كما أن مخططات الفوضى الخلاقة والاستراتيجية المعروفة بالزحف نحو المركز تركز على الأحياء الطرفية. إستراتيجية الإحلال والإبدال: لقد حشدت إسرائيل ما يربو عن «169» منظمة إسرائيلية ومسيحية في إقليم دارفور منذ عام 2003م تحت مسمى جبهة إنقاذ دارفور.. ولكن القيادة الإسرائيلية لاحظت أن حركات دارفور المناهضة للسلطة لم تتقدم نحو الشمال.. وأن ما قام به د. خليل إبراهيم وإخفاقه أن تنظيمهم في الداخل لم يتحرك بسبب العامل الزمني، لأن القوة التي كانت قد أعدت لاستلام العربات المقاتلة عند سوق ليبيا انفضت قبل وصول العربات، لأنها شعرت بأن هنالك قوات من الشرطة والأمن بدأت في التوافد إلى سوق ليبيا.. ومن ثم رأت إدارات الموساد أن يبدأ تصحيح المسار من إقليم دارفور وأوله: أ/ كسر شوكة القوة العربية الممثلة في كثير من القوات غيرالنظامية والقبلية، وذلك باختراقها بالآتي: 1/ان تكون جبهات معادية للنظام في الخرطوم من القبائل. 2/ عن طريق الإغراء المادي. 3/ عن طريق الآمال والإغراء الوظيفي. 4/ تقسيم الكعكة عند فصل إقليم دارفور. ولهذه الأسباب انكسر السياج الأمني أمام حركات دارفور حتى تمكنت من غزو جنوب كردفان والنيل الأزرق، وهي الآن تخطط لغزو شمال كردفان والنيل الأبيض.