اخيرا وبعد مفاوضات شاقة بأديس توصل المفاوضون - للحريات الاربع الاقامة- التنقل - التملك - والعمل - وهو اتفاق تأخركثيرا لقطرين يربطهما اولا تاريخ مشترك - كانا ردحا من الزمان قومية واحدة - انصهرت مجتمعاتهما- اللغة الثقافة اذن توصلا لموضوع كان من المفترض ان يكون الحد الادنى بعد الانفصال مباشرة!! وللعلم رغم التباعد او الشحن السياسي الزائد كانت وما زالت العلاقات الاجتماعية والاقتصادية متواصلة - تتجاوزمطبات السياسة وافرازاتها القائمة. فالوجدان الاجتماعي بالقطرين سليم بنسبة 99% اللهم، الا فئة الطيب مصطفى ومن لف حولهم من العناصر التي تدعي النقاء العروبي والاستعلاء الديني - فما لا يعرفه هؤلاء ان التواصل الاقتصادي والاجتماعي بين القطرين تفوق نسبته ربع السكان للسودان بشقيه هنا وهناك.. لقد اراد المفاوضون فقط تقنين الاتفاق ومن ثم التجسير للبعد السياسي فيما بعد.. الفئة القليلة التي تأبى ان يتفق الطرفان- والا بشروط- فات عليها ان السودان القديم - كان قطرامترامي الاطراف متنوعاً متداخلاً مع كافة دول الجوار - مع تمركز السلطة.. بالمركز عبر فئات محدودة - يفوت عليها كثيرا مثل هذه التداخلات الاجتماعية والاقتصادية مع دول الجوار اولا ومع الجار الجديد ثانيا.. فعندما تتحدث بعض الاطراف الاقل ترفا في خصومتها للجنوب عن ان اتفاق الحريات الاربع مفترض ان يسبقه اتفاق للبترول وآخر للأمن يتجاوز هؤلاء بنرجسيتهم ومخاوفهم ومحدودية افقهم ان العلاقات الاقتصادية لا تنحصر في البترول بل هناك الاخطر من البترول متمثلا في الثروة الحيوانية ذلك القطاع الاقتصادي الذي يدر دخلا للخزينة العامة - والمحليات مضافا للبعد الاجتماعي الذي يعتمد اعتمادا كليا في معاشه على الثروة الحيوانية علاقات اقتصادية ممتدة لقرون مديدة - يقارن هؤلاء بالبترول الطاريء والناضب في فترة زمنية محدودة. اما التجارة - عبر الحدود خاصة الانتاج الصناعي والزراعي لها اقطابها الذين يتاجرون (ملح - بصل- فول مصري - ذرة و...إلخ وانتاج صناعي ..إلخ).. هؤلاء كانوا اول ضحايا المقاطعة الاقتصادية بحسبان ان كثيراً من هذه القطاعات المنتجة كانت تستفيد من تجارتها عبر جنوب السودان منذ قديم الزمان. ولا يتوقع هؤلاء الموتورون مع اقتصاد السوق المفتوح والتجارة العابرة للقارات والفول الآسيوي خاصة الصين واشباه الصين يستطيع هؤلاء سد الفجوة - التي كانت تأتي من الشمال بأقل من سعر وربما بقروض ميسرة - فيكون الشمال فقد سوقا في متناول يده - ليبحث في بقاع العالم لتسويق منتجاته.. الاقل جودة ربما.. ان اي استجابة للاصوات النشاز التي تنادي برفض هذا الاتفاق- هذا يدل ليس قصر وجهة نظرهم انما تأصيل لمفهوم الاستعلاء العرقي والثقافي في ابشع صوره - وهذا بمثابة انذار مبكر لبقية الاطراف- من الهامش ان هناك فئات هي في الحقيقة اقل عددا واعلى صوتا تسعى لتطبيق اجندتها من خلال استغلال اسم الدولة - والتعبير بالانابة عن فئات اجتماعية وجهوية هي ابعد ما تكون عن تخرصات وتخاريف امثال الطيب مصطفى ومناصروه..! لأن الجسم الاجتماعي الذي يحاول الطيب مصطفى ان يعبر عنه في غالبيته العظمى ذو وجدان سليم وذوق رفيع واحساس دافق بالاخوة والمحنة والتسامح جعلت حتى كثيراً من الناس يدعون الانتماء اليهم رغم - تعارض اشكالهم وثقافاتهم ولهجاتهم معهم..!! نعم يحق علينا ان نعترف بأن الجهة او الفئات التي يحاول الموتورون التحدث باسمهم لديهم نعمة العقل ومن ثم فرز الغث من السمين بدل ان يحاولوا الزج بهم في معترك لا شأن ولا قبل لهم به. نعم آن الاوان ان تخرج هذه الفئة الاجتماعية وتعبر عن ذاتها بصورة تمسح هذا المعترك النتن الذي يحاول البعض الزج بهم .. ان النسيج الاجتماعي السوداني اقوى وانضج من الواقع السياسي المزري الذي يمضي والا كانت وقعت كثير من المشاكل.. التي لا طائل لاجهزة الدولة بايقافها.. إذن الحريات الاربع بمثابة اختبار حقيقي في تفعيل واعادة العلاقات بين شطري البلدين ومن ثم رسالة مفادها ان كل شيء ممكن في ان يتصالح الناس ويتجاوزوا المرارات العميقة التي يزرعها البعض بدراية او بدون دراية بل الحريات الاربع هو تقنين مشروع للواقع الاجتماعي - بين شطري البلدين ويفتح املا في ان تعود الآمال المشروعة في التوحد بدلا من تعميق التشرذم الذي سوف تستفيد منه قوى اقليمية (كينيا - يوغندا) تحديدا وتسعى عبر تصرفات الموتورين هذه تقول للجنوبيين نحن اقرب واجمل واسمى من شمال السودان!! اليكم- !! فهل تمضي الحريات الاربع الى مبتغاها ؟ والتي صارت املا لكثير من الشباب العاطل في تجاوز واقع الاحباط الاقتصادي ام تنتصر ارادة الطيب مصطفى وتنطفيء آخر شعلة امل كانت تبدو في آخر النفق..!