د. عبد العزيز سيد أحمد من الأصوات الشعرية المميزة فهو من جيل الستينيات الذي أثرى الساحة الثقافية، وصاغ وجدان الشعب السوداني بروائعه الادبية. فهو من مواليد دلقو أقصى شمال السودان، ومؤلف لأغنية «البوباي الاشارة جاي ولا جاي»، واطلق عليه ابناء جيله بحر العلوم، فهو مهندس مجيد وشاعر واستاذ لتاريخ الفنون، ويدرس الفلسفة، ومهتم بالتراث وفوق ذلك فهو فلكي.. ونظم منتدى الشعر السوداني أمسية حول تجربته الشعرية، تحدث خلالها الشاعر خالد الماحي والناقد محمود محمد حسن... وقال عنه خالد ان عبد العزيز سيد أحمد كان صوته خاصا به، اذ لم يكن صوت الثورة فحسب، وان كان ملامسا لها وقريبا منها، ولم يكن صوت الطبقات العاملة والقوى الصاعدة، ولم يكن يساوم في أن يكون صوته هو صوته الخاص، وان اتخذ موقفاً سياسياً او خلافه، الا ان اخلاصه كان للنص الادبي.. وكذلك فو متفاعل نشط مع التراث العربي الرصين، وهو ناقد ساخر للأوضاع الاجتماعية والانسانية، ومع ذلك لا يخلو نص عبد العزيز من روح صوفية، ولكنها متوقرة بعض الشيء وإن كانت تستنفر حالات ترجمان الأشواق لابن عربي وسابح وعصي المتصوفة في شمال السودان. والناقد محمود يقول أيضا لمحت في شعره الثراء الموسيقي عبر تنويع القوافي وأزقة المقاطع، وقد نجد الروي الواحد في العمل الواحد يأتي من نوعين من القوافي في نمط التفعيلة في شعره، والشاعر يجنح احيانا الى استحضار التراث، كأن يقتبس بيتاً او جملة لإمرئ القيس كقوله: «إذا الليل أرخى سدوله / وناء بكلكله وتمطى» وهو كذلك شاعر عالمي النزعة يتجول بشعره بين ڤيينا، هلنسكي، دمشق .. إلخ، أما أغراضه فقد تنوعت بين الرومانسية والواقعية، على قلة احتفائه او عدمه باشعار المناسبات كالمراثي والتهاني والحماسيات الروية الظرفية، في حين نجده يمتلك موهبة غير عادية في خلق عمل شعري بديع من مادة بسيطة الى درجة السذاجة، فقد كنا نعجب لردح من الزمن بابن الرومي، حيث تسنى له أن يصف مغنية بشعر جميل عذب، وقد أتى عبد العزيز بما هو أعجب حين كتب يصف أنامل فتاة تطبع على آلة كاتبة فقال: يا أنامل... يا رقيقات على المفتاح تلهو وتغازل لمست، فالحرف يخضرُ سنابل وأنابيب من العطر على السطر جداول يقدح اللحظة ايضاً ومضاً ومشاعل وللشاعر جرأة كبيرة قياساً بعصره في تحرره الصوري عن النمطية، فها هو يتغزل في فتاة اسمها سناء حضركي، والتي يبدو انها شامية فيقول: لو قلت إن العنق الجميل مثل شيء لا شيء مثل العنق الجميل.. أي والله لو قلت ان السحر في عينيك فارس والثغر - تمر البصرة المعصور في الشام - بابليّ يخجلني أنها لا يشبها شيء وتخلل الأمسية العديد من المداخلات القيمة التي أثرت النقاش، أبرزها ما جاء من صديقه الشاعر عبد الله شابو، فقد قال إنه كان شاعراً عظيماً ومثقفاً نادراً، حتى أنه سما ببحر العلوم، إلى جانب أنه كان من المعماريين المجيدين، وكان أستاذاً لتاريخ الفنون، وكان بالنسبة لي صديقاً أثيراً، وقد سمَّاني «ترابادور» أو المنشد الجوَّال في قصيدته الرائعة المسماة «المغني الجوال». وقد أحسن الأخوَان محمود وخالد في إبراز جوانب هذا الشاعر العظيم وإسهامه الضخم في الثقافة السودانية... وفي رأيي أن هنالك مثقفين كثيرين، ولكني لا أعرف شخصاً بثقافة د. عبد العزيز سيد أحمد.