هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته بتاريخ 19 ديسمبر 2011 نشرت يومية القارديان البريطانية تقريراً مطولاً للصحافي سايماس ميلين بعنوان "الربيع العربي والغرب: سبعة دروس من التأريخ". وقد استعان المذكور في إعداد التقرير بأرشيف "بارثى" المصور حيث تكاد مواده الحية تقول "ما أشبه الليلة بالبارحة!" في تصوير أحداث الربيع العربي التي نعيشها منذ عام حتى الآن. وقد اتسم التقرير بغير قليل من الصراحة والوضوح حيث أقر ابتداءً أن الغرب منهمك بالفعل في إجهاض مقاصد الربيع العربي من الانعتاق من سيطرة الغرب على البلدان العربية مؤكداً أن الغرب لن يسمح بأن تخرج المنطقة العربية من سوح سيطرته لأنها تعيش فوق بحيرة من النفط لا غنى للغرب عنها. وعدد الرجل الشواهد التاريخية لتدخل الغرب لإجهاض كافة الثورات والانتفاضات العربية ضد سيطرته عبر دعم أنظمة صديقة له, معتبراً ذلك هو الدرس الأول مشيراً بادئ ذي بدء إلى ثورة يوليو (تموز) في العراق بقيادة مجموعة عبد السلام عارف القومية المتأثرة بالرئيس جمال عبد الناصر على الملكية الموالية للغرب قائلاً: "خذ المرة الأولى التي حاول فيها العرب أن يقذفوا بأنفسهم بعيداً خارج المدار الغربي في خمسينيات القرن الماضي تحت تأثير قومية ناصر العربية." ماذا حدث؟ لقد دعم الغرب انقلاب البعث عليها, ذلك الانقلاب الذي مكن صدام حسين من الوصول إلى السلطة عام 1963. وقال إن جهود أمريكا وبريطانيا لم تتوقف عن مسعاها في استرداد العراق الغنية بالنفط منذ ذلك الوقت حتى تحقق لها ذلك في عام 2003 حيث تمكنتا من إعادة احتلال العراق بالكامل والسيطرة التامة على ثرواته النفطية. واشتمل التقرير على صور متحركة ناطقة لأحداث ثورة العراق وطرفاً من مراسم تتويج الملك فيصل ملك العراق وصوراً لرئيس وزرائه نوري السعيد الذي قتل وهو يحاول الهرب في ملابس نسائية. تحدث التقرير بعد ذلك عن تحركات سريعة لقوات الغرب لحماية أنظمة صديقة لها في المنطقة بعد نجاح ثورة العراق. أما الدرس الثاني فعن التضليل وخداع النفس الذي تمارسه الدعاية الاستعمارية على نفسها بأن العرب يفكرون بالطريقة التي تريدها هي وأنهم ضد الثورات على سيطرتها ودلل على ذلك بصور "باثى" المتحركة التي صورت حفاوة الليبيين بزيارة الجلاد الفاشي موسيفيني أثناء زيارة له إلى ليبيا عام 1938 دون أن يشير شريط "باثى" المصور إلى ثورة عمر المختار وإلى أن الاستعمار الإيطالي قد حصد ثلث أرواح الشعب الليبي البطل. كذلك اشار إلى استقبالات للملكة اليازبيث لمستعمرة عدن عام 1954 حيث تحدث شريط باثى المصور عن آلاف خرجوا لاستقبال مليكتهم. وعلق ساخراً أن تلك المحبة للمليكة لم تمنع شعب اليمن في نحو عقد من الزمن عبر نضال مجيد من طرد أولئك المستعمرين. كذلك قال: رأى المحافظون الجدد ابتهاجات عراقية عارمة في غزو بلادهم للعراق بينما كانت المقاومة تنتظم البلاد. وفي ذات السياق قال إن الإعلام الغربي كان يرى في انتفاضات ميدان التحرير في مصر وفي التظاهرات والثورة في ليبيا ما يحب أن يراه هو حتى فوجىء بصعود الإسلاميين منتصرين نتيجة ذلك الحراك. أما الدرس الثالث فقد كان عن قيام الغرب بتحسين صور الأنظمة القمعية المتعاونة معه فقط لأجل استمرار تدفق النفط وأنه يقمع كل المحاولات الديمقراطية التي قد تؤثر على ذلك مستشهداً بمصير رئيس وزراء إيران المنتخب مصدق عندما أمم النفط فأسقطه الغرب وأعاد ديكتاتورية الشاه محمد رضا بهلوى. أما الدرس الرابع فعن أن الشعوب العربية لا تنسى التاريخ بينما يفعل الغرب ذلك النسيان أو التناسي مستشهداً ومؤيداً مقالة محمد حسنين هيكل بأن المنطقة تشهد الآن مخطط تقسيم جديد على غرار معاهدة "سايكو-بيكو" التي قسمت العرب إلى دويلات عقب الحرب العالمية الأولى. أما الدرس الخامس الذي رصده التقرير فهو عن نعت القوى الاستعمارية لمن يعارضون هيمنتها على المنطقة ويطمحون فى إدارة شؤون بلادهم دون تدخل من أحد, بأنهم "إرهابيون" أو متعصبون بقطع النظر عن انتماءاتهم الايديولوجية والحزبية. ذكر على سبيل المثال الوطنيين التونسيين الذين تصدوا للاستعمار الفرنسي عام 1952 مطالبين بالاستقلال فقد وصفتهم أبواق الدعاية الاستعمارية بأنهم "مجموعة من المتعصبين". وقال إن ذات الوصف قد أطلق على الإسلاميين عندما أفل نجم القومية العربية وحلت محلها الايديولوجيات الإسلامية. وعن موقف الغرب من الحركات الإسلامية التي توشك أن تصل إلى السلطة في أكثر من بلد في المنطقة يقول إن الغرب سيسعى لترويضها في مجال السياسة والاقتصاد وسيعتبرها في خانة "الاعتدال" إن استوعبت دروسه في السياسة والاقتصاد واعتمدتها بديلاً لمفاهيمها للشريعة. أما الدرس السادس فيعد تحذيراً من الاستعجال في استدعاء التدخل العسكري الغربي في المنطقة مشيراً للمآلات الكارثية التي أعقبت كل تدخل من ذلك النوع منذ التدخل الذي اجتاح مدينة دمشق عام 1925 خلال الثورة السورية وما أعقبه من تدخلات من قبيله حتى الآن. والدرس السابع والأخير ربما كان موجهاً للغرب لإعادة النظر في سياساته تجاه المنطقة بعد الربيع العربي فهو عن مأساة فلسطين ودور الاستعمار البريطاني في ضياع الحقوق العربية فيها وكيف أن تعاطف القوى الغربية مع الاستيطان اليهودي أثناء فترة الانتداب البريطاني على فلسطين, قد تحول إلى تحالف استراتيجي بين الغرب وإسرائيل بعد قيامها. وقال إن فلسطين ستظل عائقاً دائماً لقيام علاقات طبيعية بين الغرب والعالم العربي وقال إن قيام حكومات منتخبة في البلدان العربية نتيجة للربيع العربي قد يغير الصورة وقد يفضي إلى رفض رضوخ تلك الحكومات للسياسات الأمريكية التي كانت تقبل بها الأنظمة المبادة. وبعد، فهل تعد دروس التاريخ التي حواها هذا التقرير تثبيطاً للهمم ورسالة إلى شعوب المنطقة بأنها كيفما فعلت فلن تشب عن الطوق ولن تقوى على القفز فوق السياج الشائك وأن خراجها لن تتغير وجهته. أم أن التقرير نصيحة رجل صحا ضميره الذي أثقلته مظالم قومه على شعوب هذه المنطقة من العالم فانتصب يحذر من أحابيلهم وشراكهم وقد لاحت سانحة نادرة للنجاة من قبضتهم فطفق ينصح باليقظة اللازمة وتحسس مواقع الخطى تجنباً للعثرات المهلكة توطئة للخروج الكبير من الأسر والاستغلال إلى الفضاءات الفسيحة التي تليق بكرامة الإنسان؟ ترى هل هي هذه أم تلك التي خلت؟ إن قراءة مغازي مثل هذه العبر رهينة دوماً بحال الشعوب وبالمدى الذي وصلت إليه من النضج والوعي. والتفوق الحقيقي هو أن لا نعير النوايا كبير اهتمام وأن نمعن النظر في ألا نلدغ من ذات الجحر مرتين!