مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحديث خارطة السياسة الخارجية السودانية: دبلوماسية "القوى الناعمة" (2): تحويل شعارات الثورة إلى قوة .. بقلم: الحارث إدريس الحارث
نشر في سودانيل يوم 11 - 07 - 2019


رصيد القوتين الصلبة والناعمة الماضوى:
ورد ذكر اصل السكان الاصليين فى اثيوبيا القديمة (السودان) من ضمن تقرير اعدته حملة عسكرية رومانية بعثها الامبرطور الرومانى "اغسطس سيزار" Imperator Caesar Augustus؛ ( 63 ق. م-64 ق. م) الذى قام بضم مصر إلى الامبراطورية الرومانية. وقاد تلك الحملة التى توجهت صوب مروى القائد العسكرى "بوبليوس بترونيوس" حيث تمكنت من الولوج الى عدة مناطق فى الإقليم السودانى. وأشار التقرير إلى ان السلالة السودانية الرئيسه وهى التى منحت السودان القديم مسمياته السيادية فيما يبدو كانت فى ازمنه غابرة تسمى على التوالى "إثيريا ؛ أطلانطا ؛ إيثيوبس ؛ فولكان ؛ سبا ؛ مروى واخيرا مسمى اثيوبيا نسبة إلى " إثيوب" ابن فولكان وفقا لما ذكر "بلينى الاكبر" فى كتابه التاريخ الطبيعى (بلينى؛ التاريخ الطبيعى) ؛ هذا اذ اضفنا إليها المسمى التوراتى الآخر باللسان العبرانى كوش ومسمى تانهسو/تانيسو. ولعل هذه المسميات يمكن ان تسبر غور هوية السودانيين القدامى بشىء من الحفر المعرفى للبحث عن أصول ومعانى العبارات فمن المسميات السيادية للسودان القديم اثيريا/عزيريا ؛ وهو من الاسماء الواردة فى الاساطير الاغريقية ومن اسماء الاعلام الوارده فى سفر الخروج. وهى عبارة مشتقة او ذات صلة بالعبارة العربية -الاثير- لا سيما اذا ادركنا ان الابجدية الفينيقية قد إقتبسها الاغريق وأضافوا إليها كما اوضح هيرودتس فى كتابه عن التاريخ. وهذا المسمى السيادى احد مسميات مروى القديمة وهو لاتينى الأصل ويعنى فى اللسان الاغريقى القديم السماء الصافية ويعادله فى الاغريقية القديمة عبارة- إيثير؛ إسم علم ويعنى الهواء الطلق -النقى- السماء - ضوء النهار - الرفيع - والملكوت (العالم العلوى) والأرض بالتضاد مع العالم السفلى حسب المفهوم الشائع لدى قدامى المصريين. ومن معانيه أيضا هالة الضوء المحيطة بالإله. وفى اللغة الانجليزية القديمة يعنى السامى او الرفيع والمقام العالى - والسماوى والالهى. ولا يزال السودانيون المحدثون يشبهون الظلم بالظلام والعدل والحرية بالنور والصباح كما رأينا فى قصيدة الملحمة للشاعر هاشم صديق ؛ وغيرها من القصائد الملحمية لثورة اكتوبر. هو يتطابق مع المسميات السيادية القديمة للسودان فيما يبدو إنه نزوع حضارى موروث فى المسميات السيادية الاولى. اما مسمى اطلانطا الذى اطلق على جزيرة وقارة غارقة لا يزال لغزا محيرا حيث صدرت كتب عديدة فى محاولة منها لفك طلاسم تلك الجزيرة او القارة الغارقة وآخر الدراسات تشير إلى انها جزيرة فى اليونان غرقت بفعل الانكسارات والقلوعات الصخرية التى نجمت عن بركان هائل. وفى الاسطورة الاغريقية نجد ان اطلانطا اسم علم مؤنث واطلق على اميرة وهى ابنة الملك "إياسوس الذى طمح ان يكون له ابنا فلما ولدت بنتا حملها إلى قمة جبل لتلقى حتفها. ولكن تولت ذئبه ارضاعها حتى عثر عليها رعاة فقاموا بتربيتها وتعلمت منهم أفانين القتال والصيد. فصارت اطلانطا صائدا مرموقا وشاركت مع فريق "ارغونوتس وصرعت البطل "بيلوس". واصل الاسم مشتق من العبارة الاغريقية - أطلانطوس- وتعنى المكافىء او المساوى فى الوزن. ويبدو ان عبارة اطلانطا التى اشتق منها اسم المحيط الاطلنطى كانت احد المسميات السيادية للسودان القديم؛ وان هذا الاسم انتقل الى الاغريق فكان اسم علم لأحد آلهتهم ( اطلس بن نبتون ) الذى يرسم وهو حاملا للكرة الارضية على ظهره ؛ مع ملاحظة ان اسم الاب يتطابق فنوطيقيا مع عبارة نبته المعربة. ولعل الاسم ايضا انتقل الى جزيرة العرب حيث نجد ان احد ابناء النبى إسماعيل بن ابراهيم الخليل يسمى "نابت" لا سيما اذا ادركنا ان كوش كانت احد مسميات القبائل بجزيرة العرب كما اوضحت الخرائط اليهودية القديمة الخاصة بالعالم فى الحقبة التوراتية. ولقد فسّر "فيرجيل" الشاعر الاغريقى الذائع الصيت عبارة اطلس بالصلب او الصنديد والصامد. وهل كان ثمة صناديد اشد من قدامى السودانيين– النوبيين- رماة الحدق؛ وهو مسمى يكشف عن تأثير كوشى قديم على جزيرة العرب؛ حيث قال الرسول ص " إرموا بنى إسماعيل فإن أباكم كان راميا". اما الفيلسوف "افلاطون" فينسب "اطلس" الى ابيه "بوسيدون" الذى سنتحدث عنه لاحقا. وهناك ايضا "اطلا نس" الليبى المشهور بتفسير الاحلام ؛ وان ليبيا هو اسم اطلقه الاغريق على كامل افريقيا الغربية غربى نهر النيل؛ وأن اطلانس الملك الاسطورى وعالم الفلك ذو صلة بشخصية " أطلس الاسطورية " على حد ما اورده بلينى فى التاريخ الطبيعى.
العالمية الاولى: كزمولوجيا الصدارة والجدارة:
فى مقدمة كتابه عن جغرافيا العالم يقول المؤرخ الرومانى سترابون (36/46 ق .م - 25 م) ان الملك المصرى "سيزوستريس" المصرى و الملك الاثيوبى "طهراقا" تقدما بجيوشهما حتى اوربا ؛ وان نبوخد نصر الذى تمتع بشهرة كبيرة وسط الكلدانيين اكثر من هرقل قاد جيشا حتى بلغ الاعمدة " – أعمدة هرقل لدى مضيق جبل طارق- .. وكذلك بلغ طهراقا هذا الحد ايضا. ويؤكد المؤرخ (ديودور الصقلى) ان الاثيوبيين يفاخرون بأنهم اول دولة وجدت فيها مؤسسة دينية فى العالم. ويذكر جون جى. جاكسون فى كتابه اثيوبيا واصل الحضارة ان قدماء المصريين كانوا أفارقة اثيوبيين (زنوج نيلوطيين) وهذا امر واضح لكل الدارسين للتاريخ الشرقى. ولقد امتد النفوذ السياسى للكوشيين من اثيوبيا او الحبشة إلى بابل فى بلاد الرافدين والهلال الخصيب حيث ان النمرود على عهد ابراهيم الخليل كان ينحدر من سلالة كوش ؛ وامتد إلى الهند حيث نجد جبال هندو-كوش وفارس والى جزيرة العرب حيث وجد كوش بجزيرة العرب فى الخرائط القديمة للمشرق العربى وإلى مصر وشمال إفريقيا. تلك كانت عالمية مروى وقوتها الحضارية الناعمة وشخصيتها الموشومة بالجغرافيا والنيل وإحكام السيطرة عليه والمناخ والعلوم فى السودان القديم. بالقوة الناعمة صاهرت مروى النبى موسى كما ورد فى سفر الخروج وكتبات يوسفوس الحبر اليهودى وهزمت قمبيز ملك الفرس وجيشه غرقا. ويكشف ان الملك "ميمنون" الاثيوبى كما ورد فى الميثولوجيا الاغريقية وفى الالياذة الهومرية قاد جيشا من العيلاميين والاثيوبيين لمساعدة الملك "بريام" فى حرب طروادة وان حملته بدأت بالفعل من اثيوبيا الافريقية وانها مرت عبر مصر فى طريقها إلى طروادة . ووفقا لهيرودوتوس فإن ميمنون هو مؤسس مدينة سوسه عاصمة العيلاميين.
واكد البروفسور سير هنرى رولينسون الحقائق التالية:
ان هنالك عدة مواقع بإسم ممينونيا قام بتشييدها الملك ميمنون فى كل من مصر وسوسه و ان هناك قبيلة إسمها ميمنونيس فى مروى؛ ويدل ذلك على ان الملك ميمنون قد قام بتوحيد الاثيوبيين الشرقيين والاثيوبيين الغربيين تمثلا للهوية الاثنية لكلا العرقين. ان السومريين قد تم تصويرهم فى النقوش البابلية فى شكل اناس برؤوس حليقة ووجوه سوداء وبدون لحى مما يميزهم عن البابليين الساميين الذين صوروا بلحى وشعور سبطه. ومن واقع الاساطير والتقاليد البابلية نعلم ان ثقافتهم فى الاصل جاءت من الجنوب ؛ وان السكان القدماء المتحضرين فى كل من سومر وأ كد إنما هم بالاصل مجموعات لاجئين وفدت فى الاصل من اثيوبيا الافريقية . كما يدفع المستشرق الاميركى د. "جون بالدوين" هذا الدليل إلى نهاياته المنطقية ؛ انه طالما كانت جزيرة العرب القديمة تعرف ايضا بإسم اثيوبيا فلربما اتى العرب من تلك البلاد . ويؤكد بالدوين بأن امة أخرى عظيمة يعود أصلها إلى اثيوبيا وهى عيلام البلاد الممتدة من نهر دجله إلى جبال زاغروس فى بلاد فارس وكانت عاصمتها سوسه التى تأسست حوالى 4000 ق. م. وازدهرت حتى تاريخ انهيارها من قبل الفاتحين المسلمين فى عام 650 م.
العالمية "السودانية" الاولى
فى مقدمة كتابه عن جغرافيا العالم يقول سترابون ان الملكين "سيزوستريس" المصرى وطهراقا الاثيوبى تقدما بجيوشهما حتى بلغت اوربا ؛ وان نبوخد نصر الذى تمتع بشهرة كبيرة وسط الكلدانيين اكثر من هرقل قاد جيشا حتى بلغ الاعمدة " – أعمدة هرقل لدى مضيق جبل طارق- وكذلك بلغ هذا الحد طهراقا. وفى عبقرية نادرة ضمن دائرة الطموح الانسانى فى ربط الارض بالسماء يشير لوسيان فى كتابه عن علم الفلك بإن ملوك اثيوبيا القديمة حملت أسماؤهم مجرات النجوم بحسبانهم اول من إخترع علم النجوم لا الكلدانيين كما يروج كتاب التاريخ الاوربيين " إن الاثيوبيين هم اول من إخترع علم النجوم واعطوا الكواكب أسماءها ليس عبطا او بلا طائل بل وصفا لخصائصها التى تميزها ومنهم إنتشر هذا العلم بشكل شائه إلى المصريين". ويشير شارلز دو بوان ان أصل دائرة البروج يرجع إلى عام 15000 ق.م. حيث تمكن الاثيوبيون القدامى من إجراء مسح شامل لمجموعة كواكب دائرة البروج فى قبة السماء المرصعة بالنجوم. وان الدليل المتعلق بالنصُب الفلكية تثبت ان اصوله تعود إلى القبائل الاولى بمصر . اما كاونت فولنى فى كتابه حطام الامبراطوريات (ص 120-122) قد اورد النص التالى: " وعلى حدود النيل الاعلى وسط شعب اسود امكن تدبير نظام عبادة النجوم المعقد ؛ من حيث صلته بمنتوجات الارض والزراعة . هكذا قام الاثيوبيون فى طيبة ... بتسمية مجموعة النجوم المائية ذات الصلة بحدوث فيضان النيل: مجموعة برج الثور التى تحت تأثيرها يبدأ موسم الحرث . مجموعة برج الاسد ؛ والتى تحت تأثيرها يندفع الاسد بفعل العطش خارجا من الصحراء. وتظهر على ضفاف النيل مجموعة نجوم البكرة المحزوزة اوعذراء الحصاد؛ وتلك المتعلقة بموسم الحصاد اى نجوم برج الحمل وبرج التوأئم والتى تحت تأثيرها يتم إستجلاب الحيوانات النادرة . واستفاد الاثيوبيون من الرصد المتكرر لفيضان النيل انه يتطابق دائما مع طلوع نجم جميل يظهر فى إتجاه منبع النيل . ولذلك كانوا يحذرون الفلاحين من حدوث الفيضان مقارنة بنباح الحيوان الذى ينذر بإقتراب الخطر وأطلقوا على النجم اسم "الكلب النبّاح" -سيريوس- وبنفس القدر اطلق مسمى السرطان على مجموعة النجوم التى تبدأ بالتراجع البطىء عند وصول الشمس إلى مدار خط الاستواء. واسموا مجموعة نجوم المعزة البرية او الجدى عندما تصل الشمس إلى أعلى مستو فلكى فى جريانها السنوى و التى تضاهى المعزة فى حركتها الجزلى عندما تتسلق الصخور .وتم تسمية مجموعة برج الميزان التى تبدو فى تواز وإعتدال مثل آلة الميزان عندما يتساوى طول الليل والنهار فضلا عن مسمى مجموعة نجوم برج العقرب نظرا "لأن الرياح الموسمية الناجمة فى فصلها تجلب أبخرة حارقة كسم العقرب".
الثورة السودانية رصيد للقوة ناعمة:
القوة الناعمة مفهوم اكاديمى أصبح شائع التداول بعد وصول الرئيس الامريكى براك اوباما إلى البيت الابيض ؛ وهو يستخدم اليوم فى الخطاب السياسى والدبلوماسى من قبل القادة الدوليين ؛ لشدة إرتباطه باستراتيجيات السياسة الخارجية للدول الكبرى. وفى القرن الثامن عشر ساعد انتشار اللغة - الثقافة الفرنسية فى اوربا على زيادة تأثير قوة فرنسا. وفى عام 1939 قسم "إى . إتش كار" الواقعى البريطانى القوة الدولية إلى ثلاثة انواع: عسكرية وإقتصادية وقوة السيطرة على الرأى. وفى القرن الخامس عشر الميلادى كتب "ميكافيلى" المنسوب إلى المدرسة الواقعية فى السياسة الدولية: من الافضل للامير ان يكون مخوفا بدلا عن ان يكون محبوبا ولكن سيكون الامير فى خطر إذا أصبح مكروها. فالقوة الناعمة ليست مجرد رومانسية مثالية بل تنسجم مع مبادىء المدرسة الواقعية التى روج لها "مورغنثاو" فى الولايات المتحدة الامريكية فى كتابه "السياسة بين الامم". ان التنافس المحموم لنيل الشرعية يؤدى بالضرورة إلى تعزيز القوة الناعمة او تقليصها. وبالتالى لا تقتصر القوة الناعمة على الدول او الحكومات وحدها بل يتم إستخدامها من قبل الشركات والمؤسسات والمعاهد والمنظمات غير الحكومية والشبكات الارهابية عابرة الاقطار وكذلك المشاهير. وفى عام 2007 وقبيل إفتتاح أولمبياد "بيجينغ" فى الصين بعث "ستيفن سبيلبرغ" أشهر منتج سينمائى فى الولايات المتحدة الامريكية بحسبانه احد رواد مدرسة هوليود الجديدة رسالة إلى الرئيس الصينى "هوغينتاو" يطلب منه ان تستخدم الصين نفوذها الادبى والسياسى للضغط على النظام السودانى كى يقبل بتواجد قوات الامم المتحدة لحفظ السلام فى إقليم دارفور ؛ فى وقت كان الرئيس السابق البشير يقسم بالطلاق المغلظ انه لن يسمح بقدوم تلك القوات ويؤكد ان امريكا والقوى الامبريالية تحت قدميه. وبالفعل استجابت الصين بإيفاد مبعوثها "زاي" إلى إقليم دارفور. وما كان ذلك ليحدث لو تم تقديم الطلب عبر الوسائل الدبلوماسية ولكن شخصية المرسل وعلو كعبه وشهرته والوقت الذى إختاره لتقديم رسالته خدما الغرض المطلوب نظرا لتخوف الصين فى حال تقاعسها عن إتخاذ خطوة بناءة تجاه قضية دارفور بوصفها حليفة للسودان ان يسفر عن حملة مقاطعة تستهدف الاولمبياد. ولا تقتصر ادوات ووسائل القوة الناعمة على الحكومات فقط ، وان النتائج المنتظرة منها قد تأخذ وقتا طويلا للتحقق حيث ان النجاح المرغوب يعتمد على التحكم فى الوسيط المستهدف خلافا لحالة القوة الصلبة. وما يميز القوة الناعمة ان استخدامها يقتضى التعرض لمستوى مخاطرة اقل من مستواها فى حالة اللجوء للقوة الصلبة اة العسكرية؛ نظرا لمحدودية إستخدامها فى حالات معينة وإعتماد نجاحها على قيمة المصداقية المنوطة بها.
مصادر القوة الناعمة:
1- الثقافة السائدة بوصفها طراز للسلوك الاجتماعى ووسيط لنقل المعرفة والقيم
2- القيم السياسية للدولة بمختلف أشكالها
3- السياسة الخارجية ومطالبها واهدافها المشروعة والسلطة الاخلاقية
ان النتائج المبتغاة من توظيف القوة الناعمة تقترن بكيفية ترجمتها إلى وسيلة مقنعة بهدف التأثير على مواقف الآخرين بفعل الجاذبية الخاصة لعناصر القوة الناعمة و؛ لذلك رأى بعض الغربيين ضرورة توظيف ولع الشباب الايرانى بالموسيقى والفيديوهات الغربية للتأثير على سلوكهم مقارنة بتصلب مواقف الملالى. وفى ذات السياق لاحظ البعض ان الافكار والثقافة الامريكية واليابانية تجد نسبة إقبال عالية فى الصين بالذات عندما تصل عبر كوريا الجنوبية. ويمكن طرح السؤال هل فشل جامعة القاهرة الفرع المؤسس من منطلقات القوة الناعمة المصرية ان يكون منصة تأثير إيجابى لمصر فى السودان؛ بالقدر الذى لعبته الجامعة الأمريكية فى بيروت؟ لقد فشل بدليل لجوء مصر الى القوة الغاشمة فى إحتلال حلايب وضمها إلى الاقليم المصرى مناهضة لموقف الانقاذ فى الوقوف بجانب اثيوبيا فى تشييد سد النهضة ، واتخاذها ورقة مساومة لتغيير سلوك السودان تجاه إثيوبيا ؛ وهنا نعتقد ان مصر استخدمت ورقة حلايب من زاويتى القوة الصلبة والناعمة ؛ فالاولى سلطة قهرية والثانية سلطة إقناع وتفاعل إيجابى وهو ما خسرته الدبلوماسية المصرية حينما لجأت إلى التمصير بمنطق التهويد. تستخدم الصين القوة الناعمة لخلق جاذبية لنفوذها الدولى ؛فمثال تشييد مبنى قاعة الصداقة فى الخرطوم عبارة عن توظيف للقوة الناعمة.
ولاحظت اثناء عملى فى دولة الكونغو الديمقراطية ( زائير ) على عهد الرئيس موبوتو سيسى سيكو ان الصين أقامت مطعما صينيا فى مدخل غابة كثيفة فى الطريق العام المؤدى إلى المطار ؛ وكنت أتسائل لماذا مطعم صينى فى هذا الموقع بالذات ؟ ومن ثم إنبرت الصين فى تشييد سلسلة من المطاعم فى الدول الافريقية إبان حقبة الثمانينات. وحديثا قامت الصين بتشييد مبنى الاتحاد الافريقى فى أديس ابابا وقدمته هدية للاتحاد الافريقى. وكذلك الدعم المالى الذى قدمته دولتى الامارات والسعودية بعد تنحية الرئيس السابق البشير ؛ وهو رصيد قوة ناعمة لخلق جاذبية وصيت حسن وتمهيد للنفوذ السياسى والتأثير على توجهات السياسة الخارجية للمجلس العسكرى. وكذلك إدانة دولة الامارات لمجزرة ميدان الاعتصام بهدجف خلق التوازن مع دعمها الواضح والمسبق للمجلس العسكرى. إن تعميم قيم الثورة المجيدة للتعريف بالشخصية والحضارة والثقافة السودانية يشكل رصيدا إيجابيا فى ميزان القوة الناعمة مما يمهد لإعادة التوازن للسياسة الخارجية وإعادة برمجة الصورة السودانية فى قالب جديد بالتضاد مع الصورة النمطية السالبة التى نجمت خلال سنى حكم الانقاذ الطويلة. فالقوة الناعمة تعمل على توسيع نطاق مشروعية قيم ومنجزات وحضارة الدولة المعنية وتخلق لها صيتا حسنا فى المجتمع الدولى وتسهم فى خلق الرصيد الذهنى والبيئة الاستراتيجية الموائمة لتحقيق طموحات السياسة الخارجية السلمية بدعم كبير من المجتمع الدولى.
تحديث المفهوم الدبلوماسى:
شعارات الثورة السودانية العميقة تتطلب تحديث مفهومنا للدبلوماسية لخضوعه لمتغيرات كبيرة بفعل التطورات التى انتظمت السياسة الدولية منذ مجىء نظام الانقاذ فى عام 1989. المطلوب تفعيل خصائص الشخصية السودانوية الايجابية المتمثلة فى العادات والتراث والتقاليد ومنظومة القيم العليا الاجتماعية والرموز والاعمال الفنية والطقوس الاحتفائية وخصوصية الكنداكات التى هى الاكثر تعبيرا عن الدلالة السيادية القديمة المتمثلة بالجسارة والقيادة الحكيمة العادلة ومجابهة العدوان من أى جهة اتى. ولذلك لابد من ربط التعريف الجديد بمفهوم "القوة الناعمة". وعلى الدبلوماسية الجديدة ان تسعى لتقديم الدعم والاسناد للامن القومى السودانى بحسبانها واحدة من الدعامات القوية للحفاظ على امن وسلم دولة السودان. وهى تشكل رافعة للأسهام فى صناعة المستقبل الذى اختارته الامة السودانية خلال ثورتها المجيدة. وان تكون احدى ادوات الانذار المبكر للخطر الداهم الذى يتربص ببقاء الامة وتحقيق تطلعاتها المشروعة ويستهدف قيم ثورتها التحررية وتكامل وسلامة اقليمها الدولى. وعليها ان تصبو إلى ترجمة شعارات الحرية والسلام والعدالة إلى منجز معاصر وطاقة خلاقة ضمن المساهمة فى بناء مصير الانسانية المعاصرة وإبراز الدور الايجابى السودانى الذى حجبته بطرانية الانقاذ وسلوكها المتعجرف المرتكز على ايدولوجيا التمكين وطموحاته الرسالية غير الواقعية والتى ادت إلى عزل السودان من محيطه الحيوى فى النظامين الاقليميين العربى والافريقى واختزلت دوره فى النظام الدولى. كما يجب تقديم تعريف جديد لمفهوم الامن القومى الشامل وتحديد المصالح القومية العليا من حيث تكامل الامن القومى مع المصالح القومية وتحقيق الرفاه والعدل الاجتماعى والنماء الاقتصادى والحفاظ على سلامة الاقليم السودانى وتحقيق الامن والسلم ووقف الحرب وتطويق النزاعات القبلية والاثنية كما يشتمل المفهوم الجديد على كيفية تمكين الدولة بممارسة الضبط السيادى على التدخلات والهجومات السايبرية والتهكير الالكترونى الذى تضررت منه عدة بلدان متقدمة وحماية الاجهزة الحساسة فى الدولة ومولدات والمستشفيات الطاقة الحيوية والكهربية والسدود وشبكة الانترنت التى كثيرا ما تستهدفها الهجومات الارهابية (انظرالدراسات الامنية الحديثة).
كيفية دعم رصيد القوة الناعمة:
خطة مبدئية:
ان تضع وزارة الخارجية أجندة جديدة لدور الدبلوماسية الشعبية للاستفادة من طاقات ومهارات شباب وكنداكات الثورة السودانية ؛ فهم افضل من يقوم بهذا الدور من اجل دمج إيجابى لشعارات حرية سلام وعدالة فى بنيتى الدبلوماسية السودانية المتحررة من اسر الرسالية والتمكين ، بهدف الاسهام فى الثقافة السلمية الدولية
رصد حجم التأثير الايجابى الناجم من القوة الناعمة وعولمة الثورة السودانية التى بلورت من شرعيتها ووسعت من نطاقها المهاجر السودانية فى الدول الغربية والاطلسية
تحليل عامل البراعة والقدرة على السيطرة على الغرائز وضبط النفس والتصميم وعدم الانجراف إلى العنف الذى تحلى به الثوار وشرح معانى "سلمية سلمية" و"مدنية" وهى قيم شكلت رصيدا ايجابيا للثورة السودانية على المستوى العالمى وأضفت على الثورة ألقا ورونقا متفردا
تحليل البعد الجمالى والايقونى للثورة السودانية المتمثل فى دور المرأة السودانية وكاريزمات الكنداكات والقدرة على إحداث الدهشة وإثارة الاعجاب بترجمة الفعل الثورى إلى منظومة سلوك سلمية وجمالية
الغربيون جذبتهم القوة الناعمة للثورة وهى المفترض ان تكون عملا عنيفا وفوضويا فتمثلوها وكأنها لوحة فنية متحركة لا سيما الرسومات التشكيلية على حوائط ساحة الاعتصام
الثورة السودانية بإعتبارهامولودا معاصرا بلورته وسائط التواصل الاجتماعى وإضاءة جوالات الثوار فى ليل الخرطوم الداجى مما اوضح تشبيه الشعراء السودانيين حكم العسكر بالليل وإسترداد الحرية بالنور او الصباح كما اوضحنا فى الحفر المعرفى للمسمى السيادى القديم؛ هذا التباين لم يتم الوقوف على معانيه الكبيرة إلا إبان ثورة ديسمبر المجيدة
النظام والانضباط السلوكى والامتثال القانونى وهى قيم تشكل رصيد للديمقراطية بجانب الحوارات ومنصات النقاشات الليلية فى الساحة والتى عكست مفهوما تطبيقيا للتعددية الرؤيوية والفكرية والسياسة التى يجمع نظمها هدف عظيم ومتسامى.
تمسكنا بقيمنا الاسلامية والتسامح مع علمانيتنا السودانية المغايرة لنمط العلمانية الغربية الملحدة والتى تتكامل مع مفهوم "العلمانية الشرقيه" وهى علمانية تستجيب للتجارب المقارنة ؛ وتحول اليسار السودانى إلى رؤية مختلفة ليس بالضرورة ان تكون صدامية خلافا لما برهنت تجربة الماضى. الرصيد الثورى الايجابى يزداد رسوخا وثباتا حيث شهد السودان 3 ثورات خلال 50 عاما وهو رقم قياسى بمؤشر الثورات العالمى ويجعل السودان فى صدارة الامم المدافعة عن الحرية والكرامة والمناوئة للاستبداد والدكتاتوريات العسكرية والايدولوجية .
الترويج لخصوصية الهوية السودانية المتعددة والمتميزة والمتسامحة والتى بحاجة إلى بلورة وتطوير صيغة إدارية وسياسية لاستيعابه. سمات ثورة ديسمبر 2019 تشير إلى تصميم وتوطن عزائم على تخلق هذه الصيغة التعددية والتحديات التى تحدق بها من القوى المناؤئة للثورة والتغيير والمنكبة على تحويل السودان إلى سيوبر ماركت وإتاوات وجبايات وفوائد ومنافع محصورة لدى طبقة برجوازية جديدة إستثمرت كل ثروات البلاد المعدنية والطبيعية وإستأثرت بها لطبقتها
الترويج لحضارتنا النوبية القديمة ولدور السودان الايجابى فى العالم القديم حيث تم حديثا إثبات سبقها على الحضارة المصرية وإسهامها فى حضارة "تاسيلى الشهيرة فى جنوبى الجزائر
تحسين مستوى اداء الفرق الرياضية السودانية فى كافة ضروب الرياضة والمشاركة فى المنافسات الدولية
العناية بفرقة الفنون الشعبية
إضافة الفنون التشكيلية لساحة الاعتصام التى تم محوها جهالة وغرورا
إنشاء محطة فضائية تعنى ببث الفن والتراث السودانى وإمكانات السودان والترويج لتراثه الحضارى
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.