سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    "الآلاف يفرون من السودان يومياً".. الأمم المتحدة تؤكد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    بوتين يحضر قداس عيد القيامة بموسكو    أول اعتراف إسرائيلي بشن "هجوم أصفهان"    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    السعودية أكثر الدول حرصا على استقرار السودان    الفاشر.. هل تعبد الطريق الى جدة؟!!    الخارجيةترد على انكار وزير خارجية تشاد دعم بلاده للمليشيا الارهابية    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد بالفيديو.. محامي مصري يقدم نصيحة وطريقة سهلة للسودانيين في مصر للحصول على إقامة متعددة (خروج وعودة) بمبلغ بسيط ومسترد دون الحوجة لشهادة مدرسية وشراء عقار    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    كباشي والحلو يتفقان على إيصال المساعدات لمستحقيها بشكل فوري وتوقيع وثيقة    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاسئلة الصعبة: قراءة فى خطاب الامام الصادق المهدى فى تابين الترابى .. بقلم: يوسف حسين
نشر في سودانيل يوم 05 - 04 - 2017

"جماعة الفكر والثقافة الاسلامية" -القرار السري وكثير من هلمجرا .
تظل كلمات وشهادات الاسلاميين بمختلف انتماءاتهم التنظيمية ، عن الاب الروحى لمشروعهم السياسى فى السودان ،وزعيمهم الراحل د. حسن عبدالله الترابى ،خطب شفاهية مطلقة، ومفرغة من كل مضمون، و محتوى،وتبقى مجرد كلمات تصوغها قلوب غلفها الصدأ والخواء ،و تحملها انفس غارقة فى الدم واللؤم والفساد وشهوات السلطة، وتكتبها عقول ادمنت والاحتيال والوصولية وحبك المؤامرات الملساء ،لذلك تأتى غالب كلماتهم تلك وشهاداتهم فى حقه ، شبيهة بقائليها ؛ مشحونة بالاكاذيب والفهلوة ،وابتذال المعنى والموقف، وكثيرة القفزات متجاوزة للواقع، الذى تحكمه افكار الرجل لما يقرب من ثمان وعشرين عاما ، كل واحد منها يعدل عشرة من عام الرمادة . الا انه ومهما اشتط الاسلاميون فى تعظيم زعيمهم الروحى تظل مقاصدهم وغايتاهم من القيام بذلك مفهومة الاغراض ومفضوحة المرامى .
لم يخرج الاحتفال الاول بتأبين د. الترابى، الذى اقيم فى الاسبوع الاخير من شهرمارس (الذكرى الاولى لرحيله ) عن هذا الاطار ، الا ان الاستثناء فيه ،كان كلمة السيد الصادق المهدى، امام الانصار والزعيم التاريخى لحزب الامة ،والتى اتت دقيقة المقاصد واضحة المواقف ،ومحتشدة بالمبادئ الفكرية والسياسية وبعض اسرار التاريخية والاشارات التى تحتاج لكثير من التفكيك لمحتواها.
يفتتح السيد الصادق المهدى، المعارض العتيد للنظام ، خطابه مباشرة بتنصيب د. الترابى،واحداً من اصحاب العطاء والانجاز ،وبالتاكيد على ان الاحتفاء بتأبينه ، هو بمثابة تشييد تمثال معنوى له (الذكرى للموتى لاسيما أصحاب العطاء هي لإقامة تمثال معنوي من لبنات العطاء والانجاز أنها جوهر مقولة: "اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ " لا سيما وهم أمام قاض (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)، (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) . الامام هنا لم يكتف بتنصيب الترابى فى ذاك المقام الرفيع ، بل يدعى ان هذا التنصيب، واجب يستوجبه الالتزام بمقولة"اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ "، وقد استخدمها الامام هنا بمحمولها الدينى المقدس لدى معظم القراء والسامعين ، رغم تمام علمه بتصنيفها فى علم الحديث ضمن فئة الاحاديث غير الصحيحة او الضعيفة.فى ذات السياق يُذكرنا السيد الصادق بان الترابى، الان بين يدى ربه الذى يعلم كل شى ،ويحاسب على كل شى ،حتى لو كان مثقال ذرة ، وكأنى بالامام هنا يطلب من الناس الكف عن أى تناول ناقد لسيرة ،و اثاره وبوائقه وعقيديته الفقهية المضللة ونهجها الميكيافيلى الذى لايزال يحكمنا بكل تلك الكارثية اللامحدودة المهددة لوجود الوطن.
بعد احتفال التنصيب المباشر ذاك ، يدلف الامام الصادق المهدى للحديث عن الرجل، فيصفه بالمؤمن بربه والوطنى الغيور على بلاده ، وبالعالم الموسوعى و المجتهد والمجدد، ولايكتفى الصادق المهدى بذلك ،بل يقطع بثبوت هذه الصفات فى حق الرجل، وانها (لاينكرها الاحاسد أو حاقد أو جاهل) ، وللعجب الاسيف، فان هذه الزمرة من الحساد و الحاقدين و الجهلة، تتشكل بالمطلق من ملايين الضحايا والمعارضين لمشروع الترابى الاسلاموسياسى،وفكره الذرائعى المتآمر .
وهنا يبرز سؤال هو لِمَ يحتفى الامام الصادق المهدى، بالترابى ويمجده كل هذا التمجيد ،ويبذل له تلك الحصانة المطلقة. ؟ مخالفا لكل السودانيين الذين يعرفون جيدا أية تهلكة جلبها لوطنهم ، ممدوحه وتنظيمه الابليسى ، الذى صنعه وبناه على هدى (اجتهاده)، و (تجديده) ،و (علمه الموسوعى) ، و (وطنيته الغيورة)، (وايمانه) المطلق بربه. نعم الجميع قد خبروا وعايشوا ما ارتكبه الترابى، بصفته المسئول الاول فى النظام و التنظيم ؛ الحروب والموت والدمار ، التمزق و الانفصال و التشريد والتهجير،الفقر المدقع والفساد اللامحدود ،و بوائق لا حصر لها ولا عدد، دفع ثمنها شعبنا الابى الصابر، فى ماضيه ،و يدفعه فى حاضره ، وسيدفعه فى مستقبله ايضا ،حيث تنتظرنا الملايين من الاطفال المعنفين المهدرى الكرامة، دون تعليم او مستقبل او حتى امل فى حياة افضل، عدا عن الاقتصاد المتهالك والوطن المفتت الممزق .
ليس من العقل فى شى الخوض فى الحديث عن معرفة الصادق المهدى، بافعال صهره الراحل من عدمها، فالمامه التام ،بكل الممارسات والاجرامية المهينة والشائهة وغير المسبوقة ،التى ارتكبها الترابى وتنظيمه ،امر لاجدال فيه،أُتِيحَت له معرفته بحكم علاقتهما العامة والخاصة الممتدة فى التاريخ ، و بحكم انه زعيم لاكبر حزب سياسى معارض للنظام الذى اقامه الترابى، ،وبحكم ان كان على رأس الحكومة الديمقراطية التى اطاح بها الاخير .لكن السؤال يتكرر ، لماذا كل هذا الاحتفاء والتمجيد وومنح الحصانة لاكبر الطغاة فى التاريخ السودانى.
لعل جزء من الاجابة يكمن فى النقطة الثانية، التى اوضح الامام انه يتناول فيها فكر و اجتهاد الترابى،لكنه فى حقيقة الامر، كان يتحدث عن طبيعة العلاقة التى جمعتهما ، فاوضح، أنهما عاصرا بعضمها البعض ، فى جامعة الخرطوم و فى لندن، حين ذهبا للدراسة هناك ، و بَيًن أن تلك المعاصرة، مكنتهما من تكوين رؤية مشتركة، حول قضايا الهم العام، التى تركزت عندهما فى امرين ، هما (خطر التمدد الفكري والسياسي الماركسي، وخطر التطلع الجنوبي الانفصالي ) ،و اضاف ايضا، ان هذا التوافق كان طاغيا ، على كل ماعداه من جوانب وتفاصيل حتى الاجتماعى منها ، (إن علاقاتنا في كل مفرداتها بما في ذلك المصاهرة كانت معطونة في هذا الهم العام). الا ان دهاء الامام ، جعله يستدرك، بكثير من الديبلوماسية، مبرئا نفسه وربما صهره الى حد ما ،فاضاف (ومهما كانت النتيجة فقد كانت تلك هي النوايا ) وان "لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" وان "من قصد الحق فأخطأه ليس كمن قصد الباطل فأصابه".
الا أن اهم ما اورده السيد الصادق المهدى فى حديث ذاك ، هو تلك المعلومة البالغة الحساسية ، وهى انه هو ود.حسن الترابى وبعد توصلها فى قراءة مشتركة، الى أنَ الواقع الفكرى والسياسى، قابل ل (لاحياء الاسلام ) ، قاما فى بداية الثمانينات من القرن الماضى، بتشكيل "جماعة الفكر والثقافة الإسلامية" وكانت تلك خطوة استباقية (استعدادا للتطورات المحتملة).
"جماعة الفكر والثقافة الإسلامية"تلك اتخذت لنفسها دستورا، يهدف للعمل من اجل الاسلام ،وفقا لثلاث أُسس هى الاجتهاد للتوفيق بين الاصل والعصر، و ان يكون نهجها قوميا جامعا لاطياف المسلمين ، دون احتكار حزبى للشعار ، وان تتبع الجماعة الالية الديمقراطية حماية من التدخلات الخارجية و من الاحتجاجات الداخلية والتزاما بهدى الاسلام . وهنا ايضا لم يفوت الامام الفرصة، للاشادة مجدداً بالترابى لكفاءته ،وانجازاته التنظيمية المتمثلة فى (بث الثقافة الإسلامية وفي توعية قطاعات حديثة بها وفي تكوين تنظيم حديث متطور .)
يواصل الامام رحلة تاريخه المشترك مع الترابى، فيقول انه وفى مرحلة ما ، اسماها (منئذ) قرر اخوته الاسلاميون ،بقيادة الترابى العمل بشكل منفرد، خارج اطار التحالف الذى جمعهم به ( ولكن منذئذ حدثت تطورات بموجبها اتخذ إخوتنا بقيادة د. حسن الترابي قراراً بالعمل الانفرادي الحزبي) ،ويواصل انهم و نتيجة لذلك القرار، وقع الاسلاميين فى ثلاث اخطاء تمثلت فى تبنى قوانين سبتمبر، الانقلاب على الديمقراطية فى يونيو 1989،واقامة نظام ديكتاتورى صادر الحريات و مارس التمكين والعزل باسم الاسلام . ايضا وفى نفس المحور - ( اخطاء) الترابى والاسلاميين- اورد السيد الصادق المهدى معلومتين فى غاية الغرابة ،أولاهما أن الترابى وجماعته، انقلبوا على اتفاق بين (الحركات الاسلامية )، بعدم استخدام العسكر للوصول الى السلطة ، ورد ذلك فى قوله (تدبير الانقلاب العسكري مع العلم أن الحركات الإسلامية في عام 1989م قررت ألا تلجأ أبداً للاستعانة بقوى نظامية لتطبيق مشروع اسلامى) .والنقطة الاخرى تتلخص فى انه ينوى الكتابة للامين الجديد للمتمر الشعبى لتكوين لجنة تحقيق مشركة مع قيادة حزب المؤتمر الشعبى حول ما سماها( الوقائع )وذلك للكشف عنها وتقديم شهادة للاجيال وكان ملا بسات وحقائق انقلاب يونيو 1989 (سوف نكتب للأمين الخليفة الذي نبارك اختياره أن نكون لجنة مشتركة للتحري عن الوقائع تبياناً للتاريخ للأجيال حتى لا نكتم الشهادة. هذا موضوع مهم تتطلبه النصيحة النبوية "إذا تبيانتم ما تدافنتم)
اخر النقاط الثلاث فى خطاب التأبين صدّرها السيد الصادق بالاية الكريمة (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون)، في هذه النقطة دعا الامام دعوة صريحةو مباشرة للقطيعة مع (كسب) من رحلوا من هذه الحياة ،والتوقف عن البحث والتمحيص فى الماضى ،والابتعاد عن مراراته، والعمل على جمع الصف من اجل المستقبل ،و بمعنى اصح التخلى تماما عن اى شكل من اشكال المحاسبة، بمنطق (الى فات مات )، وفى اعتقاد السيد الصادق ان هذا الأمر ، هو جوهر النظام الخالف، الذى دعا له الترابى ، والذى وصفه بالشيخ فى هذا الموضع .( لنخرج مما قد يفرق في الماضي إلى ما سوف يجمع في المستقبل واعتقد أن هذا هو جوهر ما عناه الشيخ الراحل بالنظام الخالف).
ثم اورد الامام جملة من الاستحقاقات السياسية ، التى يتوجب على القائمين بالدعوة للنظام الخالف، الاتيان بها لاثبات مصداقيته ،وحددها بقطع الاتصال بثمار الانقلاب ، نبذ التمكين والانفراد فى الحكم ،و(ضبط الحوار الداخلى بقيم ) هى كفالة الحريات وضبط اجهزة الامن والالتزام بخارطة الطريق الافريقية . وهذه الشروط الواجبة للوصول الى حوار يؤدى الى تحقيق (العبور الفكري والسياسي، في السودان للسلام العادل الشامل، والتحول الديمقراطي الكامل) .
وعندها سيكون السودان مؤهلا للقيام بدور اوسع ،فى العالمين العربى والاسلامى والافريقى، يحدد الامام موجهاته وفق مبادئ هى : صحوة فكرية وفقهية ، تعايش بين جميع المرجعيات وفق مفاهيم حقوق الانسان والديموقراطية ،واعتراف متبادل بين المسلمين ، والدعوة لنظام اقتصادى قائم على التنمية والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الفقر ورفض التبعية، ورفض اقامة اية علاقات مع اسرائيل،غير مبنية على اساس الحقوق العربية والفلسطينية.و ينتهى الخطاب القصير بنبرة متفائلة ،ورغم قصره الملحوظ ، الا انه كان كثيف المحتوى، ومحملاً بالمواقف وكثير من الاشارات والمؤشرات، العلنى منها والمضمر ،يأمل المقال ان يتناولها من دون الاستعانة باية قراءات او تفسيرات خارج سياق خطاب الامام هذا ، ولذلك كان الحرص على نسخ افكار ومواقف الامام التى وردت فى الخطاب بنفس لفظها وترتيبها.
بادئ ذى بدء، من الضرورة، التأكيد بان كل النشاط العام ،الذى يقوم به شخص فى مقام السيد الصادق المهدى، بصفته المعروفة، رئيساً لحزب الامة واماماً للانصار ، يعتبر نشاطاً سياسياً خالصاً .وان كل ما يصرح به من مواقف، وما يدلى به من آراء، يعتبر مواقفاً و آر اءٍ سياسية لحزب الامة القومى ،كما انها ومن زاوية اخرى يمكن تمثل مواقف لطائفة الانصار دينيا وفقهيا . تأسيساً على ذلك ؛ يمكن اعتبار الشهادة التابينية لزعيم حزب الامة التاريخى ،فى حق الترابى ، بمثابة دعم سياسى مباشر ،ثقيل الوزن ،لحزب المؤتمر الشعبى، وللاسلاميين عموما،وان مناداة الامام بالكف عن النبش، فى سيرة الرجل (السيئة) ،بجانب انها عفو وحصانة معنوىة للترابى وحزبه، الا انها ايضا أعلان سياسى عن موقف حزب الامة ازاء قضايا المساءلة والمحاسبة مستقبلا.
يذهب السيد الصادق المهدى فى خطابه الى اكثر من ذلك، باعلانه المثير، عن قيامه بتشيكل ذلك التحالف، مع الترابى ،لالتقاءرؤاهما، حول خطورة تمدد الفكر الماركسى، ونزعة الجنوب نحو الانفصال - والاخيرة هذه يبدو انها من عنديات الامام ، فللاسلاميين موقف معروف داعٍ لفصل الجنوب ،منذ قديم الزمان – مهما يكن فذاك الالتقاء الفكرى الذى أسست له معاصرة ومصاهرة ورؤى مشتركة امتدت لاكثر من نصف قرن من الزمان ، تم على اثره تشكيل التحالف المسمى "جماعة الفكر والثقافة الإسلامية" ،فى مطلع الثمانينات، من القرن الماضى ،وذلك (استعدادا للتطورات المحتملة) كما اوضح الامام . لااعتقد ان هنالك، ماهو افصح من هذا القول، للتأكيد على ان ما يتحدث عنه ، السيد الصادق كان تحالفا اسلاميا/ سياسيا حتى النخاع ،يتم الكشف عنه لاول مرة ، ويتضح ذلك اكثر ، بالقاء نظرة على الأسس الثلاث التى قام عليها التحالف ،والتى تم ذكرها سابقا فى المقال . و أولها الاجتهاد للتوفيق بين الاصل والعصر، أى عصرنة الفقه وتجديده ،وهو امر يشكل جوهر ومرتكز رئيسى فى طرح الاسلام السياسى الذى يقوده حسن الترابى ، والذى دون رؤيته تلك فى كتابه المثير للجدل "تجديد اصول الفقه الاسلامى"
وثانيها ان تتخذ الجماعة نهجا قوميا جامعا لشرائح المسلمين، لا يحتكر فيه اى حزب من احزاب الحلف الشعار المطروح ، ولا اظن ان لفظة قومي ، جائزة فى حق هذا التحالف الخاص بشرائح المسلمين ، فى وطن متعدد الديانات ،مهما يكن فان فكرة التحالف تبدو شبيهة بفكرة الجبهة الاسلامية القومية، التى كونها الترابى بعد سقوط نظام مايو، فى السادس من ابريل 1985. ثالث الأُسس التى قام عليها ذلك التحالف كما شرح الامام هى الالتزام ب(الالية الديمقراطية حماية من التدخلات الخارجية و من الاحتجاجات الداخلية والتزاما بهدى الاسلام ).
باختصار شديد يمكن القول، ان ماقاله السيد الصادق هو ؛ انه شكل تحالف اسلاموسياسى مع الترابى ، له مشروع طموح للوصول للحكم ،باتباع الاليات الديمقراطية، التى لها ميزة انها تحمى حكم التحالف، من التدخلات الخارجية والاحتجاجات الداخلية. وهنا بقفز الف مرة سؤال لعين ؛لماذ اختيار الامام هذا التوقيت و هذه المناسبة وهذا الحضور بالذات لاستعراض هذا الكشف التفصيلى المؤسس عن هذا التحالف . ؟
ولا تنتهى تصريحات الخطاب الخطيرة هنا، بل يذكر السيد الامام ،جملة غاية فى الغموض والالتباس، وهى ان (الحركات الإسلامية في عام 1989م قررت ألا تلجأ أبداً للاستعانة بقوى نظامية لتطبيق مشروع إسلامي.)،والذى نعلمه جميعا عن تأريخ هذه الفترة القريبة ،ومعظم شهودها احياء ومن ضمنهم الامام نفسه ،ان جميع قوى انتفاضة مارس – ابريل من احزاب سياسية بما فيها حزب الامة وكل النقابات فى التجمع النقابى ،قد وقعت فى السابع عشر من نوفمبر 1985، على ميثاق الدفاع عن الديمقراطية، لحماية النظام الديمقراطى الوليد، من اية مغامرة عسكرية فى المستقبل ، وكانت الجبهة الاسلامية القومية، التى كونها الاسلاميون بقيادة الترابى ،بعد شهر من سقوط من نميرى، هى التنظيم الوحيد الذى رفض التوقيع على ذلك الميثاق ، لكن الامام هنا يتحدث عن (قرار) بعدم استخدام (قوى نظامية) ، فى الوصول للسلطة وقعته (حركات اسلامية) فى العام 1989 اى بعد اكثر من ثلاث سنوات من توقيع ميثاق الدفاع عن الديمقراطية وفى نفس العام الذى قامت به الحركة الاسلامية التى نعملها بانقلابها فى الثلاثين من يونيو !!! هل كان يو=قول انه تعرض لخديعة .
هذه المعلومات تفجر سيلا من الاسئلة المستمرة المرتبطة عضويا بعضها البعض ،مالذى كان يعنيه الامام بكلمة (حركات اسلامية)،والذى نعرفه طوال تاريخنا السياسى ان هنالك حركة اسلامية واحدة،تلونت وتشكلت احزابها السياسية باسماء عديدة ،لكنها ظلت محتفظة باسمها وصفتها كحركة اسلامية ، فهل كان الامام يقصد مجموع القوى المشكلة لتحالف "جماعة الفكر والثقافة الاسلامية" بما فيهم حزبه :حزب الامة؟ وهل معنى ذلك ان الامام يعتبر حزبه حركة اسلامية؟،ا م انه تعمد الاتيان بهذه العبارات فى هذا السياق لانه كان فى حلقة مطولة من الغزل المباشر ،مع اسلاميى الشعبى وغيرهم من الاسلاميين , الذين ادمن معاشرتهم ومحالفتهم ،ويتوق لها مجددا ، ولذا ذكرهم وسرد باسهاب وتفصيل ، كل مفردات التوأمة بينه وبين شيخهم الراحل وهو لا يذكرهم بذلك من موقع الحليف المحتمل ، كلا، بل هو يقدم خارطة طريق متكاملة كزعيم عتيد لتحالف اسلامى واسع ، عرض أُسسه ومبادئه واهدافه وغاياته ، ولم يغفل الباس تحالفه المعروض جبة حقوق الانسان ليناسب اروقة المجتمع الدولى ، ولم ينس ايضا تصميم الدور الاقليمى والدولى له الذى سيلعبه التحالف حين (يكتمل العبور فى السودان).
وردت فى الخطاب ايضا كلمة ان تلك الحركات (قررت)، فماذا عنى الامام بكلمة القرار هنا ؟هل كان يتحدث عن قرارٍ تنظيمىٍ داخل دهاليز كيان تلك (الحركات الاسلامية ) الذى لانعرفه ؟ هل كان يعنى قرارا يخص ما اسماه (الحركات الاسلامية) المتواجدة فى التحالف الذى أنشاه هو الترابى؟ هل كان يتحدث عن قرار تعهدت به و قدمته له (الحركات الاسلامية ) داخل "جماعة الفكر والثقافة الاسلامية" ثم خانته لاحقا ؟ هل كان يقصد انه تعرض للتضليل والخداع من الحركة الاسلامية قبل اشهر من وقع الانقلاب ؟ ما هى قيمة واهمية هذا القرار السرى وأهداف الامام من ذكره الان فى هذه المناسبة؟ ام هل هى مناجاة وتلاوم خاص بينه وبين الاسلاميين ؟ هذه الاسئلة وغيرها من الاسئلة العالقة برسم الامام لازاحة هذا الغموض الدامس والالتباس الكبير ، المحيط بمجمل هذه البنية من التحالفات والهيكليات السياسية والمناهج التى قامت عليها .وهذا ليس كل شى !!! بل يزداد الغموض تعقيدا ،بقول الامام الصادق المهدى بانه سوف يكتب للامين الجديد للمؤتمر الشعبى بغرض (أن نكون لجنة مشتركة للتحري عن الوقائع تبياناً للتاريخ للأجيال حتى لا نكتم الشهادة) ولعل هذه الفقرة من خطاب الامام اكثر الجزئيات حوجة للتفكيك والتساؤل
- لماذ الامام يدعو للتحقيق ،عن ظروف و وقائع انقلاب يونيو 1989 ،بتكوين لحنة مشتركة خاصة بين حزبى الامة و المؤتمر الشعبى تحديدا؟
- ما الذى يعرفه الصادق المهدى عن ادوار اسلاميى الشعبى فى الانقلاب حتى يدعوهم وحدهم لتكوين لجنة التحقيق خاصة ومشتركة ؟هل اصبح جماع امر الاسلاميين ومجلس شوراهم وكل ما يتعلق بهالاسلاميين بيد الشعبى ؟ وهل يعنى ذلك ان الامام يعتبر ان حزب المؤتمر الشعبى هو المسئول عن الانقلاب؟ و هو الذى يمتلك الوثائق عن تنفيذ الانقلاب؟ رغم حدوث مفاصلات عديد بين الاسلاميين تشتت فيها منفذو ومخططو الانقلاب
- لماذا لايدعو لتشكيل لجنة قومية ؟ لماذا اصلا يدعو الامام التحقيق فى جريمة وطنية كبرى بايدى لجنة خاصة مشتركة بين حزبه وحزب المؤتمر الشعبى ؟هل يعتبر للامام المعلومات المتعلقة بالانقلاب سرية و خاصة بهما فقط هو و الاسلاميين فى الشعبى ؟ اليس فى دعوته تلك تجاوز مبدئى للدستور والدولة مستقبلا ؟
- ومالذى الشى الذى سيتوصل اليه الامام بتشكيل لجنة تحقيق حول الانقلاب مع من انقلبوا عليه ؟ هل سيعترفون بارتكابهم بتلك الخطيئة الكبيرة؟وما هى الجدوى ان اعترفوا ؟ خاصة وان الدعوة هذه تجى بعد ما يقارب العام من بث اعترافات الترابى القاطعة لكل تشكيك حو ارتكاب الحركة الاسلامية لجريرة الانقلاب ،بكل ما فيه من تفاصيل مشينة .
- هل يحاول الامام ان يخرج للناس نموذجا مشوها مبتسرا وخادعا من لجان الحقيقة والمصالحة الجنوب افريقية والتى طالما تغنى بنهجها فى التصالح وطرحه كنموذج صالح للتطبيق فى السودان .
- وماذا عند الامام عن انقلاب يونيو89، ليقوله امام لجنة التحقيق الخاصة تلك ، كشهادة للتاريخ والاجيال ؟ واين ستبث تلك الشهادة وما مصير نتائج التحقيق ؟وهل سيتم تقديمها للدولة والسلطات القضائية والمؤسسات الاعلامية كاملة كماقيلت.؟
-هل هى محاولة لتبرئة الاسلاميين ؟ام هى محاولة لطمر واخفاء بعض الحقائق ؟ لماذا لايقول الامام شهادته فى منبر اخر علنى وبدون لجان ؟
- على اسس سيبنى التحقيق ؟ هل سيتم على اساس ان الانقلاب كان مخالفا لدستور وقانون الدولة ام على اساس ان الانقلاب كان خيانة لعهد مع الامام ، او قرار للحركات الاسلامية بعدم الاستعانة بقوى نظامية للوصول للسطة ؟
- اخير لماذا ينادى الامام ، الاخرين بالكف عن النبش فى سيرة ( اخطاء) الرجل،ويدعوهم لتركه لربه يحاسبة بدقة وعدل ، وفى نفس الوقت، يمنح نفسه بالاشتراك مع اسلاميى المؤتمر الشعبى، الحق فى التحقيق حول (انقلاب يونيو 1989) وهو بالتاكيد ليس من ضمن محاسن الراحل.
الاسئلة لاتنقطع ولن تتوقف ، ويبدو ان هنالك كما هائلا من القطب الخفية ،كشف عن بعضها السيد المهدى فى حديث التابين هذا، والذى استطيع اقول ان الصادق كان يدشن به ملامح مرحلة قادمة، تصاغ فيها التحالفات وفق الاسس والمبادئ التى اسهب الامام فى شرحها.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.