وبالرَغم من أننا مازلنا نرزح تحت رحمة (هاتور) الناسم، إلا أن (أمشير) أبو الزعابيب بحكم اندفاعه وتهوره وانجرافه وراء رغباته، يود، قتل الركود والرتابة ومرحلية (الطقس) يحاول جاهداً أن يعلن عن نفسه (قبل أوانه)، فقوة الرياح التي تتخللها برودة الطقس المتقلب، كما (أسعار الدولار ) وأمزجة (التجار)، تأخذ في طريقها كل ماتبقى من دفء..!! ويصبح (البرد) هو سيد الموقف.. ولا يكون هناك وجود (للسخانة) إلا (في الجيوب) وفي (الأسعار)، ويصبح دخول(الحمَام) (متطلباً)، فيجب أن يصل الماء الى درجة الغليان (كما هو حال الشارع العربي هذه الأيام)..!! وللذين لا يعلمون عما أتحدث ف(هاتور) و(أمشير)، هما أشقاء لنفس الأم وهي (السنة القبطية)، فهما شهران من شهور السنة القبطية، والتي لم تدخل (التقاويم الرسمية)، كما دخلتها السريانية والميلادية والهجرية، إلا في ساحق العصور، إذ إن المزارع المصري البسيط- (الفلاح)- كان هو الأكثر إستخداماً لذلك التقويم، بحكم إرتباط حرفته- (الزراعة)- ومواسمها بشهور ذلك التقويم، واعتماد (الفلاحين) على تلك الشهور مواقيت للزراعة والري والحصاد، ف(توت) شهر الري، وهو مطلع السنة القبطية، و(هاتور) هو نهاية الخريف وبداية الربيع، وهو شهر حصاد القمح عند المزارع المصري، ويقع في شهر نوفمبر الى منتصف ديسمبر وهكذا، أما (أمشير) فهو شهر الرياح والبرد، والذي يعيش حالة من (الهيجان) في هذه الأيام، محاولاً طرد (هاتور) . غريب هو حال (الطقس) أو (التغيرات المناخية)، التي طرأت على مناخ العالم، والتي أكد العلماء أن (الثورة الصناعية) في ال 150 سنة الماضية هي (الفاعل الحقيقي) وراء تلك التغييرات، وهي التي اتفقت جنائياً مع (الإنسان)، واشتركا سوياً في القيام بعملية (توسعة قلب)- ثقب الأوزون- والذي قامت بها نسبة( التلوث الناجمة) عن الاستخدامات غير السوية للطاقة من قبل البشر، الذين تسببوا بما يسمى ب (الإحتباس الحراري)، والذي يمثل (السبب الرئيسي) وراء القيام بتلك التغييرات الجذرية للمناخ. ولكن غرابة تغييرات (الطقس) أصبحت لا تمثل مصدراً للدهشة، إنما أكثر ما يثير الدهشة هو ما يحدث من تغييرات في (المناخ السياسي للشارع العربي)، حيث كسر (الربيع) قالب (النعومة والرقة)، الذي طالما اتسم به، فأصبح عنواناً بارزاً له، فقد فرض (ربيع الحرية) والديموقراطية نفسه على أجواء الشارع العربي، الذي جثم (شتاء الصمت والمرض) على صدره دهراً، وعندما داعبت نسمات ذلك الربيع أنوف مواطني تلك الشعوب، التي أعطبت (إنفلونزا الديكتاتورية) أنوفهم، تنفسوا هواءً جديداً، وأسكرتهم تلك النسمات، وتجلت لهم في شكل إلهام حملهم على الخروج من صمتهم الطويل، والامساك بزمام (الطقس) مرةً أخرى، والاستمتاع بالربيع بقدر إستطاعتهم، فهنيئاً لهم بالرغم بعض الأقاويل بوجود (أيادٍ خفية)، هي من حاكت (الرداء الجديد)، الذي صممته خصيصاً (للشرق الأوسط)، لكي يكون مظهرهُ بادياً لها، كما تحب أن تراه، إلا أنني أهنئهم لأنهم خرجوا عن صمتهم وبإرادتهم الحقيقية ازاحوا ذلك الحمل الثقيل عن صدورهم، واختاروا مستقبلاً جديداً أساسه الإرادة الشعبية وجدرانه الديموقراطية، وسقفه المساواة والشفافية. أما بخصوص كيفية الشكل الذي نريده (للربيع السوداني)، فإننا لا نريده ربيعاً مشابهاً لكل ربيع شهدناه، بعيداً عن التخريب والحروبات الأهلية، وتجار الحروب، ومستثمري الأزمات، فبالرغم من الأوضاع الاقتصادية المتردية وانعدام (البِنَىَ التحتية) بالمعنى الحقيقي لها، واستشراء (سرطان الفساد)، الذي قَّطَّع أوصال الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية، ودفع (المواطن المغلوب) على أمره ثمن العاب (زمرة المفسدين) تلك، إلا أننا نأمل في أن يكون الربيع مغايراً، فنحن نأمل أن تعي الحكومة الدرس جيداً، وأن تضع المواطن نصب أعينها، وأن تسعى لإصلاحات شاملة وفورية، وأن تحاسب (زمرة المفسدين) علانيةً، فقد أصابنا الملل من تصريحات (اللجان) المكونة للكشف عن الفساد، وتصريحات (البرلمان) بخصوص التعديات على المال العام بدون محاسبة شخص بعينه، نريد محاكمة أولئك المجرمين محاكمة عادلة أمام البرلمان والشعب، اي أننا نريد خطوات ملموسة في طريق محاربة الفساد والمفسدين، كما نريد أن تراعي الحكومة في اختيار وتكليف ممثليها ووزرائها، أن يناسب (المُكَلفْ ماكُلِفَ من أجله) أي أن يكون(أهلاً للتكليف)، وأن يبتعدوا عن القبيلة والجهوية والحزبية والعلاقات الشخصية في تلك الاختيارات، وأن يسمحوا للدماء (الشابة) بالتدفق في شرايين الدولة وأروقة الحكم.. عندها فقط لن نحتاج لصناعة(الربيع)، فعندها ستكون الحكومة هي من أتت لنا ب(الربيع)، وحينها فقط يتغلب (هاتورالناسم) على(أمشير أبو الزعابيب).