لأن أباهم الأكبر قال لهم- أي لأبنائه- كونوا جميعاً يا بني اذا اعترى خطب ولا تتفرقوا أحادا تأبى الرماح اذا اجتمعن تكسراً واذا افترقن تكسرت أحادا ونحن في السودان لنا مثل شعبي يقول «جميع نفعت أبو نحصين»، لأنه حيوان صغير ذكي.. يحفر على الأرض التي يسكنها عدداً هائلاً من الحفر المتقاربة.. فلا يستطيع أحد أن يسير بارتياح عبر الأرض التي بها هذه المتاريس الأرضية، فيتحاشاها الإنسان وغيره، ويسلك طريقاً أو أرضاً أخرى.. فتسلم جماعة «أبو نحصينات» في أجحارها.. والبكاء هنا قد يكون تحايلاً واستدراراً لعاطفة الإقناع أو قد يكون أسى وتألماً.. ونحن قوم قد ابتلانا الله عز وجل بفتنٍ متلاحقات منذ أن وضعت أم (موسى) عليه السلام- مولودها (موسى) في التابوت- أي صندوق ممهد- من شمال السودان- كما تؤكد إحداثيات المنطقة- ليجري به النيل لشمال الوادي.. لأرض مصر.. وينشأ في كنف (فرعون) مصر.. ثم تتعاقب الممالك والملوك عبوراً من (دنقلا) حتى (الزبير رحمة) بأرض (راجا) بالجنوب.. الى (رحمة النور) بأبيي اليوم.. كلها هي سودان الأصالة والشموخ.. وتمكنت أجيالنا من تراثها وثرواتها.. وقادت ثوراتها ضد كل ظالم مستبد معاً كذلك.. ومن خضم تلك المنعرجات بنُي هذا السودان وتمددت أوصاله.. وحافظ عليها كل جيل يعقبه جيل.. ونقول إذاً اذا أباح جيلنا هذا لنفسه أن يحدد يوماً بعينه هو (9 يناير 2011)، يوماً (للانفصال) الكريه.. وتقطيع أوصال السودان وفصائله وأصوله.. فإن الله في سمائه الأعلى يشهد على كل متآمر ضد مصلحة الوطن.. وسيسحقه عندما يأبى-أي المتآمر- إلا أن يرعى (الغنم) في أرض مسبعة- أي كثيرة الذئاب والمرافعين- لأنه لم يصدق قول الشاعر الحكيم: من رعى غنماً في أرض مسبعةٍ **ونام عنها تولى رعيها الأسدُ وأن جيلنا الطامح الوطني الحريص.. سوف يهب هبة لا نكوص بعدها أبداً.. وهو يدرك أن المخلصين من الذين جلسوا في (مشاكوس) و(أبوجا) و(سويسرا) و(نيفاشا).. كان شعارهم.. «وإن جنحوا للسلم- أي مالوا- فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم».. ثم وضع المولى استدراكاً «.. وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين» ثم قال تعالى: «.. ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين».. والإيمان هو شرط العلو وعدم الحزن وليس الخمور والخبائث والإباحية.. وهكذا جلسوا- أي الخُلص- في يوم الفصل وهو (9 يناير 2005)، وجاءونا عائدين فرحين بما أتاهم ربهم القدير بإيقاف النزيف.. ودخلوا القصر الجمهوري- قصر السودان- دخلوه معاً وكان نائب الرئيس (البشير) الأول هو المعلوم (سلفا كير) وقديماً تنازل «علي بن أبي طالب» لغيره.. مثلما تنازل «علي بن عثمان محمد طه» لرفيقه الآخر.. في إيقاف الدم. فلم يحدث أو ينشيء تنازل (علي) الأول لمنازعه ذاك، لم يحدث قيام دولة جديدة تجاور الأخرى.. وإن جئنا حديثاً نجد أن أمريكا قائدة الكوارث والدمار.. نجدها (أي أمريكا)، قد قاتلت (جنوبها) ردحاً من الزمان، فلم يحدث ذلك انشطاراً لدولتين أمريكيتين متجاورتين، بل صارت تمدد في (ولاياتها) حتى فاقت (الخمسين) ولاية.. ثم جاء «مبارك حسين أبوآمنة» رئيساً اليوم لأمريكا.. فلماذا يحرم السودان أن تتجاوز ولاياته ال(26) الى أزيد من ذلك.. ويأتي رئيساً له «أبوبكر دينق» كما كان يوماً رئيساً هو نفسه- أي أبوبكر- رئيساً لدولة جامعة القاهرة- أي النيلين حالياً- ولم يثر أو يتمرد عليه (حسين خوجلي) أو (كمال عبيد)، أما اذا كانت هناك تناقضات وفوارق في الخدمات، فإن ذلك ينداح على كل الأجيال الحاكمة في تعاقباتها الوطنية، ولم نجد تكويناً أو تشكيلاً حكومياً لم ينخرط بداخله كل أبناء السودان حسب المؤهلات والفوارق العلمية والخبرات المكتسبة.. وكان زملاؤنا الوزراء عبر الولايات، كانوا (فاكهة) و(زهرة) كل نسق دستوري أو تجوال ورحلة ميدانية عبر فجاج ولايات السودان.. ثم أنكم عايشتم كلكم فترة المستعمر الذي وضع الحواجز والفواصل بين شمال السودان وجنوبه.. حتى أن الفرد السوداني لا يدخل أو يتجول بيسر في (ملكال) أو (جوبا) أو (واو).. وغيرها، تفريقاً في الديانات وتخطيطاً لمستقبل (تعيس) هو الذي نعيشه الآن.. فتجربتنا نحن في الغرب وفي الجنوب وفي الشرق والوسط والشمال، تتشابه في معطياتها.. ولكن حين حكمنا وصرنا وزراء نتجول في ولايات السودان.. صار الأمر خطة وحكمة وابتداراً في التخطيط والمتابعة والعرض والتنفيذ، فأيه (لكنة) أو (إيماءٍ) بإيقاف هذا المد والانتشار يوجب أن نتحارب ويقتل بعضنا بعضاً من أجل هوى شيطاني، بل ينبغي أن نتحد ضد التفرقة والشتات لنقوي ونتحدى المعتدين، وننشر العدل والهدى بين الناس.. ثم فلننظر للتجربة الفريدة الحالية في جنوبنا والتي تحتاج لقراءة واعية منصفة تعمم على أبناء القطر السوداني، فهم يحكمون اليوم جنوب السودان (منفردين) بتغذية ورعاية وتمويل من القصر والرئاسة.. ثم يشتركون وينتشرون حكاماً ووزراء ومعتمدين ومدنيين على غير الجنوب في كل أنحاء السودان.. مثلما قلت لكم إنني يوماً كنت بغرفة في أحد أحياء مدينة (جوبا) في شهر يوليو.. فلم استطع الجلوس في الغرفة إلا داخل غطاء.. لبرودة الطقس.. وإخوتي حتى توريت لا حصر لهم.. فما بالنا اليوم نُقتل ونُطرد في «كبويتا» و«رمبيك» وغيرها، ودعونا نتساءل هل هذا تطفيف في المكيال، ترضيات أم تخويف.. فلابد من تسكين الجراح.. واذا كان كل هذا هو تشبيه وتنظير، فإننا نقول الآن، بل (اليوم) وبعد نداء الأخ «الرئيس/ البشير»، وهو الاندياح في كل الجنوب، فلنتجه كلنا (للجنوب) مسحاً وتغطية وتفاكراً.. وبالمعنى المفتوح «لا للانفصال» و«لا لجيوش الغرب» وسيطرته التي نرى بوادرها وأعلامها.. وهي لا تحدها حدود الجنوب الجغرافية.. بل تريد أن تزحف حتى (حلفايا الملوك) و(حلفا دغيم).. والعاقل هو الذي يقرأ القرائن والأمثلة.. وأن الإرث الجهادي.. وهم «جدودنا الذين وصونا على الوطن.. وعلى التراب الغالي الماليهو تمن».. وتكفينا تجربة (ألمانيا) التي انشطرت زمناً.. فلم تستطع البقاء (كدولتين) فامتزجت مرة أخرى وحطمت الجدار العازل.. والعاقل من اتعظ بغيره.. ولأننا نقول بأن (خيرات) الشمال وحدوده (لا حصر لها).. وإن جنوب السودان بدأ الانفتاح عبر الحقب المتتالية، بدأ (قريباً) جداً.. ولذا فلنزحف (معاً) حتى لا يتطاحن إخوتنا (النوير) و(الدينكا)، ولا (الشلك) المسالمون مع (الباريا) و(اللاتوكا).. أو غير ذلك وليدرك الذين يؤججون نيران الفتنة أنهم لا يعيشون أبعد من (سبعين) عاماً.. وهنا ستأتي جيوش (التآخي) على رأسها (الفريد مثيانق).. والفيلق الآخر بقيادة «حسن آدم قرفان» يستقبلهم «الشيخ جابك الله سرور» تحت أشجار التبلدي الضخمة (بتلودي).. والمجاهد (الفاتح كرنكات) من دنقلا.. و(عبود شين) من أعالي (لقاوة).. ويقول (القصر).. «قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى والقِ ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى»، وسيقول السحرة -أي الانفصاليون- «.. آمنا برب هرون وموسى».. ولماذا كل هذا، ذلك «إنه من يأتِ ربه مجرماً فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيىü ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلىü جنات عدنٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكَّى»- طه- ولننظر اليوم قبل الغد ويا أخانا (سلفا كير) ويا (د. رياك مشار) ويا السلطان ( كوال)، ما هذا الذي يجري في (جوبا) وأخواتها.. وهي قد نظمناها وأخواتها من (البنوك) لتنجح أخواتنا البائعات بالأسواق، (ينجحن) في نشاطهن وكسبهن.. فمن اللائي أتين عليهن من الدول الأخرى.. ومثل ذلك كثير. وهل ستستباح حرمات الوطن.. ويتعاطى الصغير والكبير الخمر كيف يشاء.. وتفتح باراتها وصناعتها في كل مكان.. وهل يأتينا الآخرون بكل (مرض) خبيث أو (داء) وتنتشر فينا الخمالة.. وننتهي بعد قليل.. حيث تجتاحنا الدول المجاورة.. إن اللبيب هو الذي ينظر بعين الغد.. فشدوا مع إخوانكم (قاطبة)- خيول- و«مواتر» و«دواب» لمكافحة التخلف والتسول.. ورسولنا الأعظم يقول: «الجهاد ماضٍ الى يوم الساعة».. فلا توجدوا مسرحاً جديداً للجهاد.. فإن الجنة تحت ظلال السيوف.. ويقول الرسول المجاهد: «بلغوا عني ولو آية»، أما في سوداننا «فحلاً بالليد ولا حلاً بالسنون».. اللهم قد بلغت فاشهد.