الأستاذ طه حسن طه من أقطاب الوطني الاتحادي ثم الاتحادي الديمقراطي وأحد المقربين للسيد الشريف حسين الهندي فهو مخضرم عاصر جميع الحكومات وقد تعرض للسجن عدة مرات في حقبة عبود نسبة لأفكاره الجريئة الواضحة، ويرى طه أن الإنقاذ مجرد اسم غير مترجم على الأرض كما أبدى خلال هذا الحوار عدم رضائه عن الصادق المهدي بتفريطه فيى حكومة الأحزاب، و نوه طه بأن التغيير أصبح حتميًا وضروريًا في ظل انتشار الفساد والتلاعب بمقدرات الشعب في ظل النظام الحالي، كما تطرق لضرورة الحساب والمحاسبة لتعود للسلطة والدولة هيبتها. هذا وغيره الكثير من المحاور التي تلمسها الحوار فإلى تفاصيله. بداية ما هي أسباب انشقاقات الحركة الاتحادية واختلافك مع الشريف الهندي؟ أنا أحد أعضاء الحزب الوطني الاتحادي الأول ومن أسرة اتحادية وانتقلت ألى الحزب الاتحادي الديمقراطي بحسب اتفاق القيادة وكان على رأسها الزعيم إسماعيل ومن ثم تطور الأمر وحدث الانقلاب العسكري في «58» حينما سلم عبد الله خليل وكان رئيسًا للوزراء من حزب الأمة، النظام بمفاتيحه لعبود، ثم حدثت الانتفاضة الشعبية الكبرى في أكتوبر وكانت في اعتقادي منارة الانتفاضات في العالم العربي في ذلك الوقت. ثم جاء النظام الديمقراطي ولم يستمر طويلاً لأن التجربة الديمقراطية برمتها إذا قيست لا تزيد عن «11» سنة خلال ثلاث ديمقراطيات، في حين إن الأنظمة العسكرية «6» إلى «16» إلى «24» وتزيد إلى «42» عامًا في الحقيقة. مقاطعة، هل يعني هذا حسب قياسك للتجربة الديمقراطية أنها فاشلة؟ أنا لا أسميه فشلاً بقدر ما هو عدم تمكينه للقواعد الشعبية، أولاً الذين يقفون على سُدة الديمقراطية كانوا يمثلون نمطًا من الأنماط غير المُعبرة عن الديمقراطيَّة بشكل أو بآخر أو أن الممارسة الديمقراطية لم تصل للشعب السوداني حتى يحس بقيمتها ويدافع عنها وحدث ما حدث من انقلاب عبود ولا أسميه انقلابًا بل هو تسليم وتسلم من عبد الله خليل الذي قام بتسليم الشرطة رسيمًا عندما أحس بأن إسماعيل الأزهري سيعود إلى سُدة الحكم وحدث تآمر واستمر النظام الديمقراطي لمدة «6» سنوات وحدث انقلاب جعفر نميري في «69» واستمر «16» سنة وبعده جاءت الانتفاضة الشعبية في أبريل عام «85»، ومن ثم جاء نظام الإنقاذ حاملاً الشعارات الإسلامية وكانت مغرية وجذابة وذات أثر في النفوس وبعد هذه التجربة الطويلة للأسف الشديد بدون مكابرة أو خصومة أو عداوة لم تكن ذات أثر إيجابي وفشلت وجعلتنا نضع أكثر من علامة استفهام في الحركة الإسلامية. الثورة في «30» يونيو «89» سمت نفسها ثورة الإنقاذ وهذا مسمى كبير وفضفاض وبعد «24» عامًا من حكمهم كل مدلولات النجاح ضعيفة بل منعدمة. بوصفك من الكوادر الاتحادية المهمَّة هل تعتقد أن هيمنة المراغنة والختمية والاتهام بغياب المؤسسيَّة، سبب في تشظي الحزب الاتحادي الديمقراطي؟ حاليًا الحزب الاتحادي ليس له أي دور، ومؤيدو الحزب الأصل وعلى رأسهم السيد محمد عثمان الميرغني شرائح قليلة جدًا ودورها ضعيف، الميرغني مع احترامنا له ونحن لسنا في مجال للمجاملات العاطفية ليس هو القائد السياسي للحزب، قد يكون رئيسًا للسجادة له محبوه ومريدوه في الطريقة الختمية، هذا دوره، لكن كقائد سياسي أشك في ذلك، ليس الأمر كما يقولون إرثًا تاريخيًا فقط بقدر ما هو مبادئ، وعن المؤسسية نحن أول من كوَّن رابطة الطلاب الاتحاديين فى اول مؤتمر عام 1967م بنادى الخريجين ووضع بصمات للمؤسسية، ولحسن الحظ الراحل المقيم الزعيم الازهرى كان يضم هؤلاء الطلاب وصنع التغيير بطرق موضوعية وفعلية. ما هو تحليلك وتقييمك لمشاركة الحزب الديموقراطي في السلطة؟ مشاركته ضعيفة لا ارضية لها ولا سند، ومشاركة ديكورية، رغم أن هناك اتفاقًا مكتوبًا يحدد بموجبه على الطرفين الحقوق والواجبات وبموجبه تحدد المسؤوليات إلا أن الشريف الهندي لا يستطيع الناس فهمه، وشخصي كان لصيقًا جدًا به وكنت احد مهندسى مؤتمر الاسكندرية الاول والثانى وشهادتي لله الشريف الحسين غير راغب فى الحزب ولم نكن نفهمه حتى الآن ماذا يريد؟ فهو شاعر فقط، ولكن كسياسى أضع عليه اكثر من علامة استفهام، وميثاق الحزب الاتحادى الديمقراطى يرفض التعامل مع الانظمة الديكتاتورية والشمولية، فماذا فعل الذين تركهم زين العابدين الهندى وهم زملاء واصدقاء ولا اقدح فيهم، فقد شارك الحزب الاتحادى الديمقراطى المتوالي ثم المسجل بمسماه الأخير واختلافي مع زين العابدين حول الطريقة التي تم بها التعاون مع نظام الإنقاذ حيث جرت الأمور وفق هوى الانقاذ دون مراعاة لصيغة الاتفاق بين الطرفين. برؤية تحليلية ما هو تقييمك لثورة الانقاذ منذ بدايتها؟ وهل هي فشلت فى تحقيق شعاراتها التى نادت بها وتطلعات المواطن معًا؟ بالعكس هى التى داست على هذه الشعارات بممارساتها وافرزت مجموعة من الممارسات التى اضرت بالواقع الاسلامى وبالشعب السودانى التى جاءت لتنقذه، حال الأخير اليوم يغني عن السؤال، واحسب ان رجال الانقاذ وعلى رأسهم الرئيس البشير يدركون ذلك تمامًا لكن الانقاذ فى تقديرى فشلت وقد اكون مخطئًا، لكن برؤية تحليلية أن الشعب السوداني صابر بالرغم من احساسه بالألم ويعتصره الجوع. برأيك لماذا صبر الشعب السوداني على الإنقاذ «24» عامًا بالرغم من أنه عُرف ب«أبو» الثورات كما قلت؟ تجربتان كانتا رقماً للشعب السودانى حيث سُرقت ثورة اكتوبر وابريل ايضًا او جُيِّرت من ذوى الشأن وصناعها الحقيقيين لم يحدث التغيير الذى كان يسعى الشعب السودانى لتحقيقه من وراء انتفاضاته، فقد جاءت نفس الوجوه التقليدية وبذات الممارسة التقليدية، وهنا مربط الفرس، وتكمن خطورة الوضع من أنها ربما تُمكِّن لقائدين كبيرين وهما بيتا المهدى والميرغنى مع احترامى لهما، لكن النتائج الفعلية التى يجنيها الشعب حينما تحدث ثورة او تغيير غير مرئي لذلك يكمن هذا التراجع. «مقاطعة»: الى ماذا تعزو عدم نجاح الحزبين الكبيرين؟ هذه شعارات مرفوعة، وفى تقديرى ومعاصرتي وقراءتى للاحداث ان البيتين الكبيرين لم يكونا اصحاب «حارة» والقيادات فيهم لا تمثل النبض الحقيقى للشارع السوداني، السيد الصديق المهدى كان قامة من القامات السياسية، وهو حزب امة، والهادى عبد الرحمن المهدى يشهد له التاريخ لما قدمه ابان محاصرة نظام جعفر نميرى ودفع دمه ثمنًا للأهداف التي كان يؤمن بها... محمد عثمان الميرغنى لا استطيع ان اقول بأنه نسخة مُصغرة من السيد على الميرغنى والده، حيث كان مُسالمًا ومُبايعًا ومُشايعًا لكل الانظمة الشمولية، لكن لقراءات يفهمونها اكثر مني، ولكن فى الانعكاسات الواقعية على مجمل الاحداث لشعب ولرقعة ارض هى غير مقبولة كأنما فيه مساومة لواقع ومستقبل الشعب. كيف تنظر لاتهام احزاب المعارضة للمؤتمر الوطنى بأنه عمل على شقها والسبب فى عدم توحدها؟ ليس اتهامًا إنما شقت المعارضة نفسها بنفسها عندما ذهب جميع القيادات يبحثون عن مواقع ومكاسب ولا أرى دوراً للمعارضة سوى مناهضة أي نظام غير ديمقراطي لا ترتضيه حتى ولو اضطر ذلك إلى التضحية بالغالي والنفيس. في بداية الإنقاذ انداح ناس كثيرون لا ينتمون للحركة الإسلامية وغير منظمين أو تابعين نسبة للديمقراطية الهشة التي كان على رأسها الصادق المهدي وحلفاؤه ومنهم الحزب الاتحادي الديمقراطي. لماذا أنت متحامل على الإنقاذ هكذا، فلكل نظام سلبياته وإيجابياته؟ القضية ليست تحاملاً أو غيره، هناك إنجازات للإنقاذ يقابلها فصل جزء عزيز وهو الجنوب وإذكاء روح القبليَّة والعنصريَّة والاحتراب وخلخلة الشخصيَّة السودانيَّة، ولم يحدث ذلك في ظل أي نظام حكم السودان والوضع يسير من سيئ إلى أسوأ. كيف تقرأ الخلافات التي تدور في الساحة السياسية هذه الأيام خاصة بين الوطني والشعبي وامكانية توحيدهما مجددًا؟ على الشخص العاقل أن يقرأ ما وراء الأكمّة، هذه القصة سبقها لقاء علي عثمان وعلي الحاج في برلين ومهَّدت لكثيرٍ من القضايا رغم التصريحات الخطيرة التي صدرت عن الشيخ الترابي خلال الأيام الماضية وهو معروف عنه يلعب «البيضة بالحجر» . على صعيد الأحداث الراهنة كيف تقرأ مجريات الأحداث في مصر الآن؟ مؤسف للغاية أن الإخوان المسلمين ظل شغفهم وطموحهم وغاياتهم هي الوصول إلى سُدة الحكم منذ زمن بعيد شأنهم شأن الحركة الإسلاميَّة في السُّودان التي حققت ما خطَّطت له منذ أربعين عامًا، وصراحة أنا مع الشرعيَّة وليس مع الإخوان المسلمين طالما صندوق الاقتراع أتى بمرسي ليبقى الأخير، والذي حدث نراه من أقرب ذوي القربى الذين أتى بهم مرسي من وزراء فقاموا بعض اليد التي مُدَّت لهم، وما قام به السيسي في مصر مرفوض جملة وتفصيلاً، ولماذا يقف الجانب الآخر مكتوف الأيدي دون الدفاع عن الحقوق حتى أصبح هناك بؤر خلاف نزاع واحتراب تُحيط النظام الجديد. بماذا تفسِّر زيارة وزير الخارجيَّة المصري للسُّودان خاصَّة في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها مصر؟ هناك أجندة خفيَّة بين مصر والسُّودان لا نعلم بها، فالنظام الذي على رأسه العسكريون يبحث دائمًا عن مزيد من التأييد والتعضيد له وهو يعلم سلفًا أن الموجود في السُّودان مماثل لما حدث في مصر إن لم يكن مطابقًا فهو قريب منه، فهناك سر يُعلن عنه وآخر غير مُعلَن.