يبحث الناس كثيراً عن فرصة فى حياتهم ليغيروا ويتغيروا. فرصة ليثبتوا وجودهم للناس، فرصة ليظهروا ما هو جميل لديهم ، فرصة ليجدوا مكانا لهم بين الناس وبين صفحات التاريخ، حتى لو كانت تلك الصفحة هى فقط شهادة للميلاد. وما اعظمها من صفحة اذا ما كتبت بحبر التربية الاسلامية الوسطية المعتدلة القويمة. وما اتحدث عنه هنا هو اهمية التربية السليمة، وما اقصدة من كلمة فرصة هى فرصة شهر رمضان المعظم لنربى فيه ابنائنا على هوية موحدة تميزنا عن باقى البلدان. فمشكلة شبابنا اليوم هى عدم معرفة من هم. ما هى اهداف امتهم. ويجدون صعوبة فى تخيل شكل مستقبلهم، فهم جاهلون بهويتهم ومرتكزات ثقافتهم ومبادئ دينهم، لذلك نجد المراهق تارة يعتمر طاقية خضراً على رأسه بينما تتدلى سبحة طويلة من رقبته متخذاً من الصوفية مظهراً لشخصيته، ثم ما يلبث ان يخلع ذلك كله ليربي ذقنه ويقصر ثيابه متخذاً من جماعة انصار السنة هوية جديدة له، ولا يستمر الأمر طويلاً حتى يبدأ فى حلق نصف رأسه تاركا النصف الاخر كجزيرة انحسر عنها النيل بعد فيضان قوى، ومع ذلك تجده ينزل «كمر» بنطاله إلى أسفل مدعياً التماشى مع موضة «السستم» مظهرا الوان ملابسه الداخلية، جاعلاً من ذلك الفنان الاوربى قدوة له ومظهراً لشخصيته. وهذا التضارب الذى يظهر في سلوك الشباب والمراهقين انما يدل على قصور واضح فى عملية التربية والتنشئة الاجتماعية التى بنيت على قشور الاسلام وليس على باطنه ذي القيم والاخلاق، وهو ما يؤدى الى اضطراب واضح فى الهوية، وبالتالى فى الشخصية ككل. لذك ندعو جميع الآباء الى استثمار فرصة هذا الشهر لجعله شهراً لتربية الابناء تربية دينية ونفسية واجتماعية وثقافية تشكل بعد ذلك جذوراً لهوياتهم ويتمسكون بها اذا ما هبت رياح تدعوهم لتغيير ثقافتهم أو معتقداتهم. فالتربية الدينية عندما يتعلم الطفل روح الاسلام وهى الصيام والصبر على شهوات النفس والتغلب على دافع الجوع والعطش والاهتمام بالجانب الروحانى فى شخصية الطفل، فيلازم المسجد ويراقب الشيوخ وكبار السن فيتخذ من احسنهم سلوكاً وخلقاً قدوة له، ويجتهد فى قراءة القرآن ليكون لقلبه نوراً ولبصره ضياءً وذكر الله بعد ذلك رفيقاً. اما التربية النفسية فتظهر عندما يشجع الطفل على معرفة ان بمقدوره الانتصار على شهوات نفسه من حب الأكل والشراب، فتزيد من ثقته بنفسه ويواصل كبح جماح نفسه، فيكون الصبر على الطاعة سهلاً محبباً له وليس مبغوضاً، ليعبد الله كأنه يراه وليسعد فى دنيته وآخرته. اما التربية الاجتماعية فهى عندما نعلم الطفل الاكل مع الكبار فى مائدة رمضان سواء أكانت المائدة خارج المنزل او داخلها. فنعهد له «تفريش البروش» فى الشارع للإفطار وتحمل هذه المسؤولية خلال ايام رمضان. فيراقب حديث الكبار ويتعلم منهم طرق حوارهم وأفكارهم ليبدأ بعد ذلك فى لعب دوره كرجل ناضج عندما تمر به السنين ويصبح فى يوما ما مثلهم، فالتدرب على المهارات الاجتماعية من خلال مشاركة الاطفال فى المناسبات الدينية والاجتماعية واحد من اهم اسس التربية والتنشئة الاجتماعية السليمة. اما التربية الثقافية فتبدأ بمعرفة انواع المأكولات واى اقليم يختص بها عن غيره من باقى الاقاليم، ومن خلال التداخل الثقافى الموجود على المائدة الرمضانية فى الشارع. لذلك فلنجعل رمضان شهراً لتربية ابنائنا تربية دينية سليمة تجعل من حياتهم سنوات ذات فائدة وبركة، ليس كحياتنا التي ابتعدنا فيها عن الله فنزع بركته منها حتى صار يومنا يمر كالساعة.